الاثنين، 24 أكتوبر 2011

محنة الأمة بين ثقافة الإنبطاح والإصلاح

منذ توقفّت حركة العقل العربي والإسلامي عن الإجتهاد وصناعة الرؤية النظريّة و الواقعيّة في كل المجالات للأسباب التاريخية والفكرية و الحضارية التي ليس هذا مجالها والتذبذب والإضطراب هو سيّد الموقف حتى في أشدّ مراحلنا صعوبة و تعقيدا .
والجدل البيزنطي الدائر اليوم بين جمهرة المثقفين العرب حول ضرورة الإستعانة بالغرب للتخلص من الطغاة المحليين الذين أنتجهم الغرب نفسه ولبناء النهضة المرتقبة أو عدم الإستعانة بالغرب الذي لا يختلف عن الطاغية المحلي إلاّ في زرقة عيونه وجمال ملابسه يشبه إلى حد كبير النقاش الذي كان دائرا بين علماء الكلام في العصر العباسي وغيره من العصور حول خلق القرآن أو قدمه وأزليته والذي عندما إشتدّ هذا الخلاف تسللّ المغول إلى مواقعنا ودكدكوها عن بكرة أبيها , ونفس النقاش كان دائرا بين جمهرة المثقفين في العشرينيات و الثلاثينيات من القرن الفارط وفي وقت إكتسحت فيه الحركة الإستعمارية بلادنا وجغرافيتنا و سخن النقاش بين مدافع عن الغرب كمخلّص وناقم عليه كسالب إرادة و موارد , و قد رحبّ العديد من التنويريين و الحداثيين تاريخئذ بالحركة الإستعمارية وهللوا لها بل وأعتبروها ضرورة إستراتيجية لإخراج أمة محمد من الجهل وهي التي أول رسالة تلقتها من السماء ... إقرأ بإسم ربك الذي خلق .... وأعتبر الأديب المصري طه حسين أن لا خلاص للبلاد العربية إلاّ بتقليد الغرب حذو القدّة بالقدّة و السطر بالسطر .. وقد دفعت الغيرة عبّاس محمود العقّاد أن يؤلف عبقرية محمد وعبقرية علي وعمر وبقيّة الصحابة عندما راح جموع من المثقفين يتشدقون بديكارت ونيتشه وسبينوزا ودور كايم وغيرهم ..
وقد إمتدّ العمر بهؤلاء الحداثيين وهم يرون أنّ الحركة الإستعماريّة نخرت واقعنا السياسي والثقافي والصناعي والأمني و الفكري و البيئي ولم تترك الحركة الإستعمارية مساحة معينة إلاّ و عفنتها وألحقت بها داء الكساح , بل إنّ فرنسا الإستعمارية عندما غادرت الجزائر مكرهة بفعل ثورة المليون ونصف المليون شهيد جزائري سرقت أموال خزينة الدولة الجزائرية ولم تبق أي فرنك فرنسي في خزائن البنوك و دمرّت كل الجرارّات الزراعية و ألحقت الأضرار الكبيرة بكل البنى التحتية بل سرقت حتى الأرشيف الجزائري والمخطوطات التي تتناول تاريخ الجزائر في العهود الأمازيغية والإسلامية و العثمانية , ولم تعمل أي حركة إستعمارية على بناء نهضة يشار إليها بالبنان ولا فرق في ذلك بين الإستعمار الفرانكفوني أو الإستعمار الإنجلوسكسوني أو الإسباني اللاتيني فكل هذه الحركات الإستعمارية ألحقت أكبر الأضرار بالإنسان والبنيان ولعلّ من أسباب النكسة المتشعبة التي يحياها الوطن العربي بالإضافة إلى حالة الإستبداد والعسكريتاريا هو الحركة الإستعمارية التي هللّ لها الحداثيّون والتنويريون و المتمدنون والمتعصرنون ورغم إنسلاخ العالم العربي عن الحركة الإستعمارية إلاّ أنّ هذه الحركة الإستعمارية وقبل رحيلها تحالفت إمّا مع عوائل بدوية أو رجال العسكر وسلمتهم مقاليد الأمور لتحتفظ هذه الحركة الإستعمارية لنفسها بأكبر النفوذ في هذه الجغرافيا الإسلامية وتلك .
و في الزمن الأمريكي راح ما بعد الحداثيين يهللون للإحتلال الأمريكي معتبرين إيّاه المدخل الأساس بإتجاه الخلاص و التطهّر من نجس الإستبداد والديكتاتورية والعسكريتاريا و مدخلا بإتجاه إعادة البناء الحضاري , و في يوم من الأيام جمعني لقاء في برنامج الإتجاه المعاكس الذي تبثّه قناة الجزيرة في قطر مع مستشار الأمن القومي العراقي الحالي موفق الربيعي فقال لي قبل دخولنا إلى الأستوديو في لندن ونحن نحتسي القهوة أنّ الشرع الإسلامي يجيز الإستعانة بأمريكا فهي بمثابة الطائرة التي تقرّب المسافات و توصلنا إلى حيث نريد , فقلت له يا موفّق لكن هذه الطائرات ستحرق اليابس والأخضر وتقتل الأبرياء والمدنيين , فقال لي : فليكن المهم أننا سنصل , وبالفعل لقد وصل إلى منصب مستشار الأمن القومي كغونداليزا رايس تماما ويخشى أن يصبح زواج المتعة العراقي الأمريكي الذي أشرف عليه بعض العراقيين أن يصير زواج دائم ولات حين مناص . لقد أراد لنا ما بعد الحداثيين أن ننبطح لأنّ الزمن اليوم زمن أمريكي واللغة السائدة أنجليزيّة بإمتياز . و إذا كانت الحركة الإستعمارية الغربيّة والحركة الإستعمارية الأمريكيّة مكشوفة وواضحة الأهداف فإنّ ما لم يتكشّف بعد هم دعاة الإنبطاح والإنسلاخ و الركوع الذين يتجلببون رداء التقوى مبدين حرصهم وخوفهم على هذه الأمة والتي سلموا رقبتها للسكين الأمريكي لتعمل فيها ذبحا وسلخا و نحرا , ثمّ يقولون إنّ أمريكا خيرّة كالطائرة توصلنا إلى أهدافنا بسهولة , إنّه منطق المنبطحين و المنسلخين و المتأمركين !
و مقابل هؤلاء يوجد طبقة مثقفة ترى أنّ الإصلاح يجب أن يكون من الداخل وأنّ النهضة ما لم تبن بسواعد أبناء الوطن و برؤيتهم الإستراتيجية و النهضوية ليست بنهضة على الإطلاق , وترى هذه الطبقة أنّ الإستعمار شرّ كلّه لا خير فيه مطلقا قديمه وراهنه فهو يتحرك وفق إيقاع مصالحه الإستراتيجية و العابرة للقارات و تسليم الإرادة لهذا الإستعمار هو بمثابة الخيانة العظمى وشرّ مثال على ذلك ما قاله وزير الداخلية العراقي المقال نوري البدران عندما قال طلبني بريمر الحاكم بأمر بوش في العراق و طلب مني أن أستقيل فقلت له : يا سيدي هل قصّرت في شيئ , فقال لي من أجل التوازن يجب أن تستقيل , فقلت له كما قال البدران : سمعا وطاعة سيدي , فأي نهضة وأي دولة هذه التي يتلقى فيها موفق الربيعي مستشار الأمن القومي العراقي أوامره من كونداليزا رايس مستشارة الأمن القومي الأمريكي و نوري البدران يتلقى أوامره من بريمر !
يا ترى هل بريمر و كونداليزا من بني يعرب ونحن لا نعرف ذلك , وهل يتحققّ الإتحّاد بأمريكا بحيث تصبح كونداليزا الربيعي ورايس الموفقة رمزا للمرحلة العربية كما الأمريكية الراهنة , سؤال برسم كل المنبطحين ! !

اختطاف العراق
على إمتداد سنيّ المنافي التي قضيتها في الأرصفة العربية والغربية أبحث عن وطن جميل ودافئ وآمن يعوضني عن وطن المليون والنصف مليون شهيد الذي خطفه أبناء فرنسا مني , كنت ألتقي بشخصيات عراقية فكرية وسياسية و مذهبية وعلمائية تنتمي إلى كل ألوان الطيف السياسي العراقي وكثيرا ما كانت عيناي تدمع لما ألمّ بالشعب العراقي من عذابات و جروح غائرة سببّها لهم الطاغية بإمتياز صدام حسين , وكل عراقي صادفته في المنفى كان يصلح لعمل درامي أو يصلح أن يتحول إلى قصّة مأساوية حزينة , و العجيب أنّ طاغية العراق صدام حسين ألحق الأذى بجميع العراقيين كافرين ومؤمنين , حزبيين وغير حزبيين , إسلاميين و علمانيين , عربا وأكرادا , ولطالما بكيت عندما كان هذا المعارض العراقي يخبرني أنّ الأجهزة الأمنية العراقية كانت تجبره أن يزني بأخته , وذاك كان يتحدث عن إنتهاك عرض إبنته أمام ناظره , وقد حفظت عن ظهر قلب قصيدة الشاعر الرائع السيد داوود العطّار التي يقول فيها :
باقر الصدر منّا سلاما أي باغ ساقك الحماما
وكنت أصغي لهذا الطرف من المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق , وذاك من حزب الدعوة سواء من الآصفي أو محمد باقر الناصر وحتى السيّد كاظم الحائري , كما كنت أستمع إلى شخصيات يسارية وأخرى وطنية , وكان يجمع بين كل المشردين العراقيين الذين إلتقيتهم في المنافي الهمّ الكبير والوجع الجبّار الذي سببّه لهم الطاغية صدام حسين , و كان الجميع خائفا متوجسا خيفة من مخابرات صدام حسين , فهذا محمد أصبح جعفر وذاك الجادري أصبح مدين و ذلك باقر أصبح عبّاس وهلمّ جرّا , ورغم أنّ التباين السياسي كان كبيرا بين كل ألوان الطيف السياسي العراقي وكانت كل الأطراف وحتى الإسلامية منها تتبادل الإتهامات بل حتى المرجعيات الدينية كانت مختلفة فيما بينها أيمّا إختلاف , فلطالما عانى محمد باقر الصدر من ظلم المرجعيات الدينية له ولعلمه ولإجتهاده إلى درجة أنّ البعض قطع عن الذين يحضرون بحثه الخارج راتب الطلبة من خمس الأموال , والبعض كان يتهم السيد الشيرازي مرجع منظمة العمل الإسلامي العراقية بالعمالة لبريطانيا و البعض كان يتهم الحائري بنكران مبدأ ولاية الفقيه , رغم هذه التباينات و الإختلافات بين المدارس السياسية العراقية إلاّ أنّها جميعا كانت تحلم بعراق جديد لا مكان فيه للخوف والطغيان والإستبداد , عراق يعود إلى عليّه وحسينه , عراق آمن تسخّر فيه طاقات الشعب العراقي الخلاقّة لبناء وطن لا مكان فيه للظلم و الإضطهاد .
وكنت أحلم مع إخوتي العراقيين بهذا الوطن وقد رفضت كل الدعوات الإعلامية التي وجهّت لي لزيارة العراق في زمن الطاغية صدّام حسين ولحدّ الآن لم أزر دجلة الخير أمّ البساتين ...
وقد حلمت مع إخوتي المنفيين العراقيين بوطن عراقي جميل ورائع لكن سرعان ما تبددّ الحلم .
فبعد سقوط الطاغية صدام حسين تمّ إختطاف العراق من زمانه ومكانه وحضارته , فقد قامت أمريكا بإختطاف العراق إلى وجهة مجهولة غير معلومة النتائج , وعملاء أمريكا الذين لم تنالهم حقيقة عذابات الطاغية صدام حسين خطفوا العراق من أيدي الذي قتلوا و أستشهدوا و تعذبوا و جرحوا وأنتهكت أعراضهم وسجنوا وقطعّت أنوفهم وآذانهم و أيديهم من خلاف , وكان يفترض أن يقود المجاهدون الصادقون العراق و الذين كانوا في الطليعة وليس أولئك الذين عاشوا بفضل مساعدات المؤسسات الإجتماعية في العواصم الغربية ثمّ ترقوا وباتوا يقبضون من المخابرات الأمريكية و عادوا إلى العراق على متن الدبابة الأمريكية لينصبوا زعماء على العراق الجديد .
إنّ الحلم الذي كان في صدر كلّ معذّب عراقي لم يتحققّ لحد الآن و قدر العربي والمسلم أن يحصد دائما الخيبة ويتجرّع المرارة , صحيح أنّ العراقيين اليوم تنفسوا حريّة التعبير و باتوا يتكلمون بصوت مرتفع , لكن الذي يقودهم أمريكا والذي يبيع نفطهم أمريكا والذي يغرس نخلهم ويقطف ثماره أمريكا والذي يحددّ السقف السياسي لهم أمريكا والذي يعبّد الطرقات في العراق أمريكا والذي يأمر أعضاء مجلس الحكم المحليّ اليتيم أمريكا , والذي يضع المناهج التعليمية أمريكا والذي يحددّ عدد الولادات والوفيّات في العراق أمريكا , والذي يرسم القضاء والقدر في العراق أمريكا , والذي تجري المياه وتمسكها في العراق أمريكا والذي وضع الدستور العراقي أمريكا والذي مكن للغة الأنجليزية على حساب اللغة العربية أمريكا , والذي يقتل أطفال العراق بدم بارد و يغتصب العراقيات المجلببات بالسواد في العراق أمريكا والذي يمسك بقمرة قيادة العراق أمريكا .
والله وتالله و بالله لم يكن هذا حلمي ولا حلم كل العراقيين المنفيين الذين قاسمتهم شرب الشاي و أكل الباميّة , و لم يكن هذا حلم باقر الصدر وصادق الشيرازي و عبد العزيز البدري و عارف البصري و أبو مريم و غيرهم من الشموس الذين إستعاضت عنهم أمريكا ببعض العملاء وتريد إبرازهم كصنّاع لتاريخ العراق المعاصر !!!
ماذا أعددنا للاجيال القادمة
الفرد يرث والأمة ترث , الفرد يرث المال والعقارات وقد لا يرث شيئا إذا كان والداه معدمين , و الأمة ترث الخصائص الإجتماعية و الثقافية والنهضوية و الإقتصادية و الحضاريّة من الأمة التي سبقتها , ولأننّا أمةّ كتب لها أن تعيش على مفرق قرنين قرن مضى وقرن راهن جديد , وجب علينا أن نفكّر بإمعان ماذا حققنا في القرن الماضي وماذا سترك لأبنائنا في القرن الراهن والمقبل . لا شكّ في أنّ مجرّد التفكير فيما سنتركه كأمّة للأجيال اللاحقة مزعج وجالب للهمّ والغمّ على إعتبار أنّ الواحد منّا يعمل من الصباح إلى المساء مقابل أن يسدّ ديونه ويفكّر دوما في كيفية توفير لقمة العيش لأبنائه , فإذا الفرد لا يفكّر في أن يترك شيئا لبنيه فكيف يضطلّع بهمّ التفكير فيما سوف يتركه للأجيال المقبلة !
في الغرب حيث أعيش كل شيئ جاهز فالأجيال المقبلة سوف تستلم الراية من الأجيال الحالية والبنى التحتيّة النهضوية والتقنية قائمة والتواصل قائم بين الجامعات ومستقبل التقنيّة التي ستنتج من هنا وإلى أربعين سنة المقبلة , أضف إلى ذلك فإنّ العقل الغربي تمّت برمجته على النظر البعيد و التوجه إلى الأمام و إستشراف القادم من الأيام , والقضايا التاريخية و الخلافات الدينية لا تناقش إلا في الجامعات المتخصصّة والمعاهد العليّا المتخصصة في قضايا التاريخ واللاهوت وعلوم الأديان .
غير أنّه يجب التذكير أنّ الذي يخططّ وينفّذ في الغرب هي المؤسسّات الرسمية الحكومية المنسجمة مع توجهات الرأي العام والتي تولي البحث العلمي والتخطيط المستقبلي أهميّة قصوى وهذا غير متوفّر البتّة في عالمنا العربي .
ففي عالمنا العربي فإنّ النظم السياسية المفروض أن تبقي تركة جيّدة للأجيال المقبلة فإنّها أضاعت الأجيال الراهنة فما بالك بالأجيال المقبلة . فقصر الرؤية والمصالح الضيقة و الهوى العشائري والنزعة الديكتاتورية العسكرية و النفس الأمني البوليسي هي مفردات الحالة السياسية الرسمية وهذه المفردات والأخلاقيات تصطدم جملة وتفصيلا مع أسس المنطق السليم ومنه ضرورة إعداد مستقبل مقبول لأجيالنا المقبلة .
وفي هذا السياق يشار إلى أنّ العالم العربي قوامه محوران محور نفطي ثري ومحور زراعي فقير , ففي المحور الأول تحتكر أسرة واحدة كل مقدرات الأمة و ثروات النفط حتى بات أعضاء هذه الأسرة من أغنى أغنياء العالم حسب أشهر المجلات التي ترصد ثروات رجال المال , وبدل أن يسخّر هذا المال في إنتاج صناعة قومية قوية , فقد تحولّ إلى خدمة أشخاص معينين بإضافة إلى خدمة الأجهزة الأمنية و الأجهزة الأمنية الأمريكية على وجه التحديد التي تضطلع بحماية هذه الأسر الثرية الحاكمة من المهد وإلى اللحد بقرار غربي أيضا .
وحتى ما تبقى من فتات النفط لم يسخّر في خدمة المشروع النهضوي بقدر ما سخّر في بناء إقتصاد الخدمات والإستهلاك من قبيل الفنادق الفخمة و المرافق السياحية الجميلة الغنّاء والتي تدخل في سيّاق إمتاع هذه الأسر أيضا , فهو بهذا إقتصاد يندرج في خدمة الأسر الحاكمة وإمتاعها , ودخلت أمريكا والشركات العالمية المتعددّة الجنسيات على الخطّ و إمتصّت هذه الأسر التي أغدقت عليها بالمال والإستثمار للحصول على الرضا الذي هو ضروري للبقاء في العروش , و هذا المحور سيترك للأجيال القديمة مواثيق وعهود تحالف وإرتباط وثيق بالولايات المتحدة الأمريكية , هذه المواثيق التي تعطي لأمريكا الحق كل الحق في ظاهر أرضنا وبطنها , بالإضافة إلى ذلك فإنّ هذه الأسر ستترك للأجيال المقبلة صحراء جفّ ضرع نفطها أو سيجفّ من هنا وإلى نصف قرن على إعتبار أنّ كميات النفط الهائلة والتي تشكلت عبر القرون الماضية ستنفذ في فترة زمنية معينة لأنّ النفط ليس كماء الرذاذ يتشكّل بسرعة كلما توفرّت الشروط البئية لصناعة المطر , وسوف تترك هذه الأسر للأجيال المقبلة ديونا هائلة و عجز مطلق عن صناعة أي شيئ مادامت الصين هي التي تصنع لنا سجادات الصلاة و أمريكا هي التي تستخرج نفطنا و تبيعنا من الإبرة و حتى الدجاج المجمّد , ولو تركنا كل هذا جانبا فإنّ المؤسسات الحاكمة في محور الغنى والثروة لا تملك أدنى فكرة عن علم المستقبل , والبعض يعتبر أنّ سهرة واحدة مع فتاة روسية أو أوكرانية تغني عن الأمة وفروعها ومستقبلها . و في محور الدول الفقيرة فإنّ بروز العسكريتاريا أدى إلى توريث الأبناء الحكم بدل توريث الأمّة , فالأمة في عرف العقلية العسكرية لا ترث بل هي تسيّر كالقطيع وهذا العسكري الحاكم هو الذي يجب أن يرسم النهج والرؤية والتفكير في المستقبل شرك باللّه.
ويبقى القول ساعد الله أجيالنا المقبلة وألهم الصبر للأجيال الراهنة لتصطبر على حكام أضاعوا الماضي والراهن والمستقبل !!
أن تقول الحق في العالم العربي
يعتبر قول الحق في البلاد العربيّة و الإسلامية جريمة منكرة يعاقب عليها القانون عقابا صارما وشديدا , صحيح أنّ معظم الدساتير العربية التي وضعت فقط لتحصين السلطات القائمة وشرعنتها بألفاظ خشبية لا علاقة لها بالواقع البتّة لا تشير لا من قريب ولا من بعيد بالواقع إلى أنّ قائل الحق ومنتقد السلطات يجب أن يلقى أشدّ العقاب بل على العكس من ذلك هناك بنود دستورية تتحدّث عن حماية الدولة المصونة للفرد والمجموع و ما إلى ذلك من الأهازيج والأحجيات الدستورية التي لو إطلعّ عليها جحا لقال والله لقد تفوقّ عليّ الرؤساء العرب !!
و على إمتداد حركة التاريخ والإنسان كان قول الحق وتحديدا في وجه الظلمة والطغاة والجبابرة يؤدي إلى الشنق والقتل والمقصلة بإعتبار أنّ الطاغية يعتبر نفسه معصوما عن الخطأ والأقوى من كل الذين حواليه , ولم يسلم من القتل والشنق حتى الأنبياء والرسل الذين قضى العديد منهم قتلا وتقطيعا لأوصالهم .
وفي العصر المعاصر حيث تغني النظم العربية بالديموقراطية وكرامة المواطن والشرطة في خدمة الشعب وما إلى ذلك من الأغاني السلطوية المكررّة دوما , يتم التعامل مع قائل الحق والصارخ في وجه الظلمة بأساليب متعددّة وقد لا نتمكّن في هذه العجالة من الإحاطة بكل هذه الأساليب لأنّها ذات أصول وفروع وتشعبات لها أوّل وليس لها آخر .
وبمجرّد أن يدخل إسم قائل الحق ومزعج السلطات في حاسوب جهاز الأمن المركزي كشخص مقلق ومشوّش على السلطة إستراتيجيتها يظل هذا الشخص ملاحقا إلى يوم القيامة و إلى يوم يبعثون والحمد للّه أنّ للقيامة موازين أخرى غير موازين الطغاة في دار الدنيا .
ووجود الإسم في حاسوب الأجهزة الأمنية معناه حرمان هذا الشخص من كل الوظائف و الحقوق المدنية ويشعر قائل الحق هذا بأنّ حظّه تعيس ولا نصيب له في هذا المجال أو ذاك وأنّ عيونا ما تلاحقه , و الواقع أنّ أبالسة الأمن هم الذين عمموا إسمه على كل المؤسسات وغيرها بأنّ هذا الشخص غير مرغوب فيه ليشمله البلاء ويلاحقه حيثما حلّ , وعندما يحاول قائل الحق هذا الحصول على جواز سفر ويقدّم طلبا بذلك فإنّه ينتظر السنة تلو السنة ولا يحصل على جوازه ومعروف أنّ الأجهزة الأمنية في بلادنا هي التي توافق مبدئيا على منح هذا المواطن أو ذاك جواز سفر , صحيح أنّ الطلب يقدم إلى دائرة مدنيّة لكنّ الطلب يذهب فورا إلى الأجهزة الأمنية لتبثّ في الأمر , و يحدث أن يظل هذا المواطن المشمول برعاية الأجهزة الأمنية معلقا لسنوات عديدة دون أن يحصل على جواز سفر , وقد يحدث أن يكون لديه جواز سفر فيسحب منه بسبب مقالة أو كتاب فيظلّ ملاحقا من قبل الهواجس والمخاوف إلى أن يتضرر نفسيا وعندها ترتاح الأجهزة الأمنية لأنّها تصاب بغبطة إذا جنّ أحد المفكرين المعترضين على سياساتها لأنّها ساعتها ستقول أنّ ما يقوله هذا هو محض جنون والمجنون مرفوع عنه القلم , ويحدث أن تعتقل الأجهزة الأمنية بعض مزعجيها الفكريين فتعرضّهم لعذاب خاص يسببّ لهم أمراضا نفسية خطيرة و في أحيان كثيرة الجنون أو قد تغسل ذاكرتهم لينسوا الكليات والجزئيات التي عرفوها في حياتهم .
وعلى رغم إدعاء العديد من السلطات العربية بأنّها تكرّس الديموقراطية وتحترم حقوق الإنسان خوفا من أمريكا التي تهددهم بهذه الورقة إلاّ أنّها ما زالت تتفننّ في الإعتقالات والتعذيب والتدمير الذاتي , وعندما ننتقل إلى ما يلمّ بقائل الحقّ نكتشف عجائب أخرى في الدنيا غير العجائب التي حدثونا عنها , فالأجهزة الأمنية تختار فصيلة المعذبين لقائلي الحق والذين مجملهم من أبناء الزنا أو اللقطاء الذين ربتهم الدولة ليكونوا أبناء لها أو عتاة المجرمين القتلة الذين أطلقوا سراحهم مقابل أن ينضموا إلى الأجهزة الأمنية
وينفذّوا مشاريعها بدم بارد وقد حدث ذلك في معظم البلاد العربية .
وفي المعتقل يتم تعرية قائل الحقّ هذا وتجريده من ثيابه كاملة و يطعن في رجولته و مروءته ويطلب منه أن يركع أو يسجد وهو في حالة عريّ و أحيانا تحدث أشياء تقشعّر لها الأبدان , و حتى يتمّ تكسير شخصية قائل الحق سواء كان كاتبا أو مبدعا فتارة يتهّم بالإرهاب و أنّه ينسّق مع مجموعة إرهابية وكل ذلك بدون دليل وبينة و أحيانا يتهم بأنّ له علاقة بجهة أجنبية تتآمر على أمن الدولة وبعد كل هذه العذابات يعرض على قائل الحق أن يكون مخبرا للسلطة يكتب لها التقارير ويشي لها بآراء وتحركات الأحرار الذين تصنفهّم الأجهزة الأمنية في خانة الأعداء .
وكثيرا ما يلوذ هذا المعذب وذاك بالمنفى يتسكّع في شوراع هذه العاصمة أو تلك , و هنا أيضا تستمر الطامة , فإذا كان قائل الحق هذا الحرّ في عاصمة عربية – والرسميون العرب متعاونون على الإثم والعدوان و لا يتعاونون على البر والإحسان – فإنّ عاصمة بلاده تقول للعاصمة العربية الأخرى سنسلمكم شخصا يعارضكم من مواطنيكم مقابل تسليمنا هذا الذي نريده أو نعذبّ لكم هذا الذي يقلقكم مقابل أن تعذبوا هذا الذي يقلقنا , ويتم تبادل الصفعات و الخدمات على أعلى المستويات , و إذا كان قائل الحق هذا يقطن في الغرب توجّه حكومة بلاده ملفا مزورا ملفقا للأجهزة الأمنية الغربية وفيه أنّ قائل الحق هذا قد يكون إرهابيا وقد تعرّت العديد من العواصم العربية عندما طولبت من قبل الدوائر الغربية بالدليل على ما تقول فتراجعت القهقرى و سقطت ورقت التوت عنها !
وإذا كانت درجة قائل الحق خطيرة فإنّه يصفى بكاتم صوت و يتهم بدمه مجموعات أخرى تحارب السلطات , ويبقى القول أن السلطات العربية تملك من الوسائل ما لا يملكها إبليس في إخراس أهل الحق .
ومع كل أسلحة الدمار الشامل التي تستخدمها هذه السلطات العربية في سحق المواطن سنقول الحق أمام كل الطغاة , حتى لو كلفنا ذلك أرواحنا وأجسادنا .
تنام والمظلوم يدعو عليك ........وعين الله لم تنم
كيف تصبح رئيسا عربيا؟
في البلاد المتحضرة تعتبر السياّسة عبئا على أصحابها وأعرف سيّاسيا سويديا مرموقا رفض رئاسة الحكومة السويدية بحجّة أنّه متفرغ لتربيّة إبنه الوحيد الذي يجب أن يخصصّ له كل وقته , و السياسة في العالم العربي وتحديدا تلك السياسة التي ينتجها النظام الرسمي العربي إستجمعت كل معاني العفونة والفساد بكل أنواعه .
وإذا كانت القنوات الإعلامية العربية قد تفننت في إنتاج البرامج من قبيل كيف تصبح فنانا وممثلا و كيف يضحك المرء على الناس ليقتنص قوت أولادهم , فإنّ لا أحد من هذه القنوات فكرّ في إنتاج برنامج حول كيف يصبح المواطن العربي رئيسا عربيا , ربما لأنّ هذه منطقة محرمة لا يجوز تناولها مطلقا , لكني سأساهم في وضع بعض الوصفات الضرورية والتي يؤدّي الإلتزام بها إلى تحقيق المراد أي رئاسة البلاد والعباد .
يجب لمن أراد أن يصبح رئيسا عربيا وبادئ ذي بدئ أن ينضم إلى المؤسسّة العسكرية الحاكمة وتحديدا إلى جهازها الأمني العسكري وعليه أن يترك كل ماله علاقة بالدين أو الضمير أو الحسّ الوطني أو الأخلاق والمبادئ الرفيعة , وفي المقابل يجب أن يكون جاسوسا وكاتب تقارير بإمتياز و أثناء تعذيب المعارضين يجب أن يكسر الجماجم وينتهك أعراض النساء و يقتل بلا رحمة بالغاز المركز والسائل المذيب للحوم و كلما عذبّ و سرق وإختلس و كرع الخمرة المعتقّة كلما بات سجلّه نظيفا لدى دائرة القرار التي تعتبر هذه الشروط ضروريّة للترقية والحصول على الأوسمة الضروريّة والمناصب الرفيعة , و عندما يسطع نجمه قليلا عليه أن يتحالف مع مركز القوة النافذ في جهاز الإستخبارات العسكري و الدوائر العسكرية و هذه البداية ضرورية وحتمية في صناعة الرئيس إذ لا يمكن أن يصبح المواطن العربي رئيسا ما لم يخض هذا التدريب الضروري لقتل الإنسان داخله ليكون مستعدا لأي شيئ في سبيل الحفاظ على مصالح الدوائر النافذة .
ولأنّ هذه الدوائر النافذة على علاقة وطيدة بالإرادات الدولية فيتم إرساله في دورات عسكرية إلى عواصم هذه الإرادات وهناك يتم ربطه بجهاز معين أو إستدراجه من حيث لا يعلم إلى حبائل الشيطان وإذا كانت فيه المواصفات المطلوبة يسجلّ إسمه في ملف خاص متعلق بتلك الدولة تماما كما قال أحد ضباط المخابرات الأمريكية لدينا حكماء وملفات بكل دولة عربية وإسلامية على حدا , فهذا ملف الجزائر ورجالاتها ومن هم الأقرب إلى تنفيذ السياسة والإستراتيجية الأمريكية , وهذا ملف مصر وذاك ملف تونس وهلمّ جرّا .
ولهذه الأسباب وغيرها تعرف أمريكا عن الرؤساء العرب أو الأمراء العرب أكثر مما يعرف عنهم شعوبهم , بل إنّ الوسائل الإعلامية الغربية تعرف عن رؤسائنا أكثر مما تعرفه وسائل الإعلام العربية والدليل على ذلك دقّة البرامج الوثائقية الغربية التي تتناول زعماء العرب والمسلمين و إعتمادها على خبراء كانوا موظفين لدى الأجهزة الأمنية الغربية و كانوا على تماس بهذه الشخصية العربية وتلك بطريقة أو بأخرى !
ولا داعي لمن أراد أن يصبح رئيسا عربيا أن يفكر في الشعب والجماهير و ضرورة الإعتماد على أصواتهم , فالشعوب العربية لا ناقة لها ولا جمل ولا تحلّ ولا تربط , ولا دخل لها لا من قريب ولا من وسط ولا من بعيد في صناعة الرئيس , بل هناك مجموعة أمور يجب إتباعها منها : الإنقلاب , وهذا تضطلع به الجهة النافذة إذا الرئيس السابق و الذي نصبته هذه الجهة النافذة أضرّ بمصالحها الحيوية , فيجب أن يتحيّن الفرصة ليكون في سرب الإنقلابيين , أو يتآمر مع مجموعة تفكرّ في الإستيلاء على الحكم , وهناك الإرتباط بالجهة الدولية وهي الآن أمريكا التي باتت من صلاحياتها المباشرة تعيين الرؤساء العرب وتحديدا أولئك الذين قصروا وقد إعترف الكاتب المخبر الأمريكي بوب وورد أنّ بعض الرؤساء العرب كانوا يتلقون أجرا شهريا وسنويا من وكالة الإستخبارات الأمريكية مقابل تقديم خدمات جليلة للمخابرات الأمريكية .
وغير طريق الفتك والظلم والنهب والسرقة والإستقواء على الشعوب العربية المنهوبة والمستصعفة , هناك منهج الدبابة الأمريكية و قوام هذه الطريقة أن يتفق مجموعة من الضبّاط ورجال الإستخبارات والسياسة ويقصدون واشنطن ويلتقون برجال الإستخبارات الأمريكية فيها و يقولون لهم : نقسم لكم بالله ثلاثا إذا أرسلتم معنا دبابة أمريكية للإطاحة بالنظام الذي عينتموه قبلنا في بلادنا فلكم ظاهر الأرض وبطنها , ولكم كل المقدرات والثروات , ويحدث ذلك بالفعل وأقرب مثال على ذلك العراق .
وبناءا عليه آمل أن يتحوّل برنامج سوبر ستار إلى سوبر رئيس , وكان الله يحبّ المحسنين !!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق