الاثنين، 24 أكتوبر 2011

الإرهاب صناعة أمروأوروبية

الارهاب وليد النص القراني أو الحكم الطغياني!تحولّت ظاهرة الإرهاب في العالم العربي والإسلامي على وجه التحديد إلى أعقد ظاهرة سياسيّة و أمنيّة و إجتماعيّة , وقد أنتجت هذه الظاهرة سلسلة لا مثيل من الدراسات والمقالات و الإنشغالات الفكريّة والبحث عن الجذور التاريخية و السياسية لهذه الظاهرة , و ما كتب عن هذه الظاهرة هو أضعاف ما كتب عن المشروع النهضوي والتنموي في واقعنا العربي والإسلامي حيث بحث ثلّة من مفكرينا في آليات النهضة و مرّت بحوثهم بدون عناية فكريّة تذكر ربمّا لأنّ الذاكرة العربية والإسلامية مصابة بخدوش خطيرة وربمّا لأننا لا نولي المشاريع الكبرى أهميّة تذكر .
ولعلّ أهم المراكز التي تناولت ظاهرة الإرهاب بالبحث و التنقيب هي مراكز الأبحاث و المعلومات التابعة لدوائر الإستخبارات العربية والغربية و تليها مراكز الدراسات الإستراتيجية ذات الإرتباطات المتعددّة ثمّ المراكز الإعلامية ودور النشر والمنتديّات الثقافيّة. ولأننّا منشطرون دوما حتى في فكرنا وثقافتنا ومشاريعنا فإنّ البحوث التي وضعت حول ظاهرة الإرهاب هي الأخرى منشطرة حول نفسها , فللسلطات وأدواتها الفكرية والإعلامية رأي في هذا الموضوع وللمعارضات رأي وللباحثين آراء مختلفة . والقراءة المتأنيّة و الإستقرائيّة لمجمل ما كتب حول الإرهاب وجذوره تفضي إلى تعداد مدرستين مختلفتين حول الإرهاب وجذوره , فالمدرسة الأولى وهي المدرسة الرسمية السلطويّة فترى سواء عبرّت عن ذلك بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر أنّ النص القرآني وتراكمات التاريخ الإسلامي و الأصولية الإسلاموية الظلامية بتعبير الخطابات السلطوية الرسمية هي التي أنتجت الإرهاب وأفرزت فكر التكفير و الحكم على السلطة أحيانا وعلى المجتمع أحيانا أخرى بالردّة وبالتالي مشروعية قتال المرتدين , ويذهب هذا الخطاب الرسمي إلى أنّ الذين يمارسون العنف ضدّ السلطات القائمة ينطلقون من آيات قرآنية وأحاديث نبوية وسيرة السلف الصالح ويسقطون كل ذلك على الواقع المعيش ولعلّ أبرز آية تستخدم لشرعنة العنف ضدّ السلطات هي آيات سورة المائدة :
ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون
وفي آية أخرى هم الظالمون , وما إلى ذلك من الآيات . ولتقزيم أصحاب هذا الإتجاه تعمد السلطات إلى إستمالة أصحاب الطرح الإسلامي المعتدل و تحاول وأد تيّار العنف من خلال الحصول على الشرعية من المعتدلين والمتخندقين في خطّها مقابل بعض المناصب هنا وهناك وبعض الإمتيازات التي يحضى بها رجالات القرار دون غيرهم .
ومقابل هذه المدرسة الرسمية التي تعطي للإرهاب بعدا دينيا هناك مدرسة قوامها مفكرون مستقلون ومعارضون وباحثون إجتماعيون وسياسيون يرون أنّ إرهاب السلطة هو الذي أنتج إرهاب المجتمع , وأنّ الديكتاتورية والتسلط والقمع والممارسات العدوانية والوحشيّة للحاكم وحاشيته هي التي أنتجت الإرهاب بدليل أنّ معظم الذين أطلقوا خطابات محاربة السلطة تعرضوا إلى أقسى أنواع التعذيب في السجون السلطوية , فبعضهم تمّ الإعتداء على كرامته وشرفه , وبعضهم تمّ حرمانه من نعمة الذريّة والإنجاب بالطرق المعروفة , ولا يمكن أن تلجأ السلطات الحاكمة في العالم العربي و الإسلامي إلى مصادرة مقدرات الشعوب و تسيّر الشعوب على أساس أنّها شعوب قاصرة مراهقة يتيمة تحتاج دوما إلى سوط الحاكم ليستقيم أمرها دون أن تتوقّع معارضات وردود من قبيل ما نراه في عالمنا العربي والإسلامي .
وفي نظر هذه المدرسة فإنّ إنعدام الحريّة السياسيّة و الديموقراطية و الشفافيّة و مصادرة خيرات الناس وسرقة أرزاقهم وأقواتهم هي سبب العنف الأعمى الذي بات الميزة الأسمى و الأبرز لراهن عالمنا العربي والإسلامي , فالحاكم منع الناس من حرية التعبير والإنتقاد وإذا وجّه أي شخص نقدا بسيطا للحاكم فإنّ مآله سجون الحاكم التي أقامها بإحكام للقضاء على رجولة من يقرّون أنّ فيهم بعض رجولة , و التداول على السلطة ممنوع , فالسلطة حكر لحكامنا لا يتزعزعون عن كرسي الحكم إلاّ بموت أو إنقلاب أو دبابة أمريكيّة , و غير مصادرة الحكم وحرمان الشعب من صناعة قراره وسياسته الكبرى و الصغرى فإنّ الحاكم يلجأ إلى البطش والقمع و الظلم وسجن الأحرار .
و بالإنتقال إلى المتورطين في حركة العنف نجد أنّ معظمهم من المحرومين من أبسط مقومات الحياة فأغلبهم من القاطنين في البيوت القصديريّة والشعبية و الأحياء الفقيرة , وكثير منهم لا يجد عملا كريما ومقابل ذلك يشاهد هؤلاء الثروات الوطنية مغانم بين الحاكم العربي وأسرته و حاشيته , وإذا أرادت معارضة جادة أن تغيّر الأوضاع لصالحها فإنّ الدبابات التي أشتريت على أساس الدفاع عن الوطن أستخدمت ضدّ الشعوب المقموعة وبناءا عليه يخلص أصحاب المدرسة الثانية إلى القول بأنّ إرهاب السلطة وممارستها الطاغوتيّة هي التي أفرزت الإرهاب , فلو عدلت الحكومات العربية و وزعّت الثروة توزيعا عادلا على الناس و حكمت الناس بأطروحة سياسية يساهم الناس في إنتاجها لما ثارت شرائح من الناس ضدّ السلطات القائمة , ومشكلة الحاكم العربي كما تقول هذه المدرسة أنّه لا يسمع ولا يغادر قصره العاجي ليقابل الناس ويطلع على أخبارهم بل يكتفي بجلسة ساعة أو نصف ساعة مع مدير مخابراته الذي يزيّن له الكثير من الأمور.
وأكثر من ذلك فإنّ أصحاب المدرسة الثانية يرون أنّ السلطة صاحبة المدرسة الأولى وتأكيدا لخطابها السياسي وأدبياتها السياسية التي تنص على أنّ النصّ القرآني هو الذي أفرز الإرهاب أوجدت تيارات إسلامية مسلحة عنيفة وسخرتّها لخدمة مصالحها الإستراتيجية من جهة ولإدامة عمر العنف في واقعنا العربي والإسلامي ليكون العمل بقانون الطوارئ مبررا ولكي لا تطرح النخب السياسية مسألة الإسراع في الإنتخابات والإصلاحات بحجّة تدهور الوضع الأمني , و قد أعلن أحد رجال المخابرات في دولة عربية أنّ رئيسه في العمل أعطاه أمرا بإطلاق اللحية و التعود على إرتداء العباءة و إستخدام المسك الأظفر – وهو عطر يستخدمه المصلون عادة في المساجد – للشروع في مهمة معينة , وقد ساهمت الأجهزة الأمنية في أكثر من دولة عربية في إقامة جماعات إسلامية مسلحة لغرض سياسي وإستراتيجي قد يطول شرحه ويمكن القول أنّ رجل المخابرات في العالم العربي أطلق لحيته والإسلامي حلقها حتى إشتبه الأمر على كثير من الناس . وعلى الأرجح فإنّ السلطات القائمة في العالم العربي سوف تستمر في إستخدام هذه الورقة و التي من خلالها تحققّ العديد من الأهداف المتشعبة والمتداخلة ومنها : التشكيك في مقومات الدين الإسلامي الحنيف وبالتالي تكرّس العلمنة والتغريب كبديل لا مناص منه للحكم والتغريب كما هو معروف البوابة الطبيعية نحو العمالة والإرتباط بالإرادات الدولية , و الإيهام بأنّ المجتمع يعيش مخاضا أمنيا وبالتالي حالة الطوارئ تصبح مبررة ومع هذه الحالة تلغى كل مصاديق الديموقراطية من حرية الإعلام والتظاهر والتجمهر والإنتخابات , وفوق هذا وذاك فإنّ إدامة الصراع في المجتمعات الإسلامية وخلق تيارات عنف إسلامية من شأنّه أن يقرّب المسافة بين كثير من حكامنا والدوائر الغربية حيث القاسم المشترك بات كبيرا بين الطرفين وهو محاربة الإسلام , وفوق هذا وذاك فتحت عنوان محاربة الإرهاب يستباح الجميع وتقلّم أظافر الجميع و يقمع المعارضون المخلصون والصحفيون المخلصون ومريدو التغيير والإصلاح وإذا جرؤ شخص على الإعتراض يقال له : أنت إرهابي .
و إذا كان المخالف للسلطة إرهابيا فماذا تكون هذه السلطة التي تقتل بالجملة والمفرق , وتميت بالجملة وتبكي المستضعفين بالجملة وتفقر بالجملة وتفرض على الناس أن يعبدوا صنما واحدا لا شريك له , أليس إرهابا عندما تعمد هذه السلطات إلى فرض فكر أحادي شمولي على الناس , سؤال برسم السلطات العربية الديموقراطيّة جدّا !!!!!
الحكام العرب في الاتجاه المعاكس
أثرّت صورة صدام حسين بلحيته الكثّة و وجهه الأغبر و وضعه الذليل على مجمل الرؤساء العرب الذين أعاد بعضهم مشاهدة تلك اللقطة التاريخية عشرات المرات إلى درجة أن بعضهم تخيّل نفسه في وضعية صدام حسين بنفس اللحية والوجه الأغبر بعد أن طويت لهم الوسادة لعقود من الزمان .
وإذا تركنا النوايا الحقيرة والإستراتيجيّة الأمريكية للإنقضاض على جغرافيتنا وما تحويه من ثروات ظاهرة وباطنة جانبا , فإنّ الحاكم العربي الذي ما زال مسترسلا في ممارسة لعبته المفضلّة الظلم بمختلف صوره وتفاصيله هو السبب الأساس للخزي الداخلي والخارجي الذي بات عليه واقعنا العربي والإسلامي .
وبدل أن تكون صورة صدّام حسين عبرة لحكامنّا لكي يتعظّوا ويكفوا عن ظلم شعوبهم وبطش مواطنيهم , فيكفوا عن ممارسة الظلم و الإضطهاد والإحتقار والإستحمار والإستكبار وسرقة أقوات الأجيال الراهنة والأجيال المقبلة , إلاّ أنّهم تغيّروا في الإتجّاه المعاكس .
لقد تصورّ حكامنا أنّ السبيل إلى الحفاظ على ذقونهم المنعمّة و سلطانهم الدائم وعزهمّ السرمدي يكمن في الطاعة المطلقة للسيّد الأمريكي و الركوع والسجود المطلق للسيّد الأمريكي , بل إنّ بعضهم زايد وقال سأصلي لأمريكا خمسين ركعة ولربي بعض الركيعّات بل إنّ بعضهم قال : سوف ألغي قاموس ربي ومفرداته الدينية من قاموس حياتي وأستبدله بالقاموس الأمريكي الجديد .
وبعد عرض صورة صدّام حسين – الصورة الرسالة الأمريكية الواضحة إلى النظام الرسمي العربي بالدرجة الأولى – تهاطل كمّ هائل من الرسائل المباشرة والهاتفية و المنقولة على البيت الأبيض , وقد كان مدلولها واحدا من قبل حكّام المشرق العربي كما مغربه , أنّه لا حول ولا قوّة إلاّ بإذن أمريكا , و أنّ لا معصية لأمريكا بعد اليوم , وبناءا عليه قام المتخندقون في الخندق الأمريكي بزيادة عدد الفرائض والنوافل لوجه أمريكا , وقام الخارجون عن الطاعة الأمريكية سابقا بالكشف عن عوراتهم و أغتسلوا بحنفيّات البيت الأبيض الأمريكي وأعلنوا التوبة النصوح وسلموا مقاليد أمورههم وراهنهم ومستقبلهم لأمريكا , وبهذا الشكل نجحت أمريكا ومن خلال صورة صدّام حسين المذلّة والمخزية في آن أن تطيح بكل الرؤساء العرب الذين راحوا يطلبون الإستغفار من أمريكا مبدين إستعدادهم أن ينقلوا مكّة المقدسّة إلى البيت الأبيض , وتنازلوا عن الثوابت والمتغيرّات , عن الثورة والدولة , عن الراهن والمستقبل , عن التاريخ والجغرافيا , عن القرآن والسيف , عن الرجولة والكرامة , عن العرض والشرف , عن ظاهر الأرض وباطنها , عن الأسلحة التقليدية و المتطورّة , عن الدبابة والفرس العربي الأصيل , بل إنّ بعض حكامنا لم يمانعوا في التنازل عن ذكورتهم إذا أرادت أمريكا ذلك , فغضّت أمريكا الطرف عن ذلك بسبب أنّ الكثير منهم أصبح عنّينا وقد بلغ من الكبر عتيّا ويطلي شعره وحاجبيه بالصبغة الأمريكية التي تخفي ما لوثته الأيام وأفسده الدهر .
وإختيار حكامنا الإتجّاه المعاكس لشعوبهم لن يضمن لهم البقاء في السلطة ولن يضمن لهم الحفاظ على نعومة ذقونهم وتسريحة شعورهم حتى لو عمروا ردحا من الزمن في الإتجّاه الأمريكي , لأنّ الضامن الحقيقي للبقاء في السلطة وعدم إنهيار نظمنا المنخورة من أساسها هو تطبيق العدل ورفع الظم عن الناس و توزيع الثروات توزيعا عادلا على الحكام والمحكومين على حدّ سواء , و القضاء على البطالة والمحسوبيات والسرقات الكبيرة والصغيرة التي يمارسها الحاكم ولصوص الحكومة بإمتياز .
إنّ السبب المركزي والأساس الذي أدّى إلى سقوطنا الفظيع حضاريا وإقتصاديا وثقافيا وسياسيا وعسكريا هو الظلم بصريح العبارة , فسبب نكستنا ليس مردّه إلى الفكر أو العقل فنحن أصحاب موروث فكري وثقافي ومخزون حضاري لا يملك الغرب عشر ثلثه , و أقول هذا الكلام وأنا أعيش في الغرب ومدمن على قراءة الفكر الغربي , وهذا الكلام هو للردّ على محمّد عابد الجابري ومحمد أركون الذين حملّوا العقل العربي والمسلم مسؤولية تردي الأوضاع في واقعنا العربي .
ولدينا من الثروات الباطنة والظاهرة ما تعجز الحاسوبات عن إحصائها و تحديد مبتدأها ومنتهاها , وبناء ا عليه يظل الظلم هو السبب المركزي وراء التردّي الذي نحياه , الظلم الذي مارسه ويمارسه حكّامنا هو الذي أوصل واقعنا العربي إلى الدرك الأسفل من الإنحطاط .
ومثلما يعتبر الظلم أساس التردي والتراجع والسقوط , فإنّ العدل هو أساس الملك و مدماك البناء وبه لا بغيره تزدهر الحياة السياسية والثقافية والإجتماعية والعسكرية والأمنية و الحضاريّة . وبسبب تربع حكامنا على عرش الظلم و زجهم للعدل في المعتقل وإقدامهم على إعدامه من قاموس ممارساتهم ومسلكيتهم السياسيّة خرم داخلنا كما خارجنا و باتت حصوننا وقلاعنا مهددّة بل آلت إلى السقوط بضربات المنجنيق الأمريكي والصهيوني.
وعوض أن يعود حكامنا إلى مبدأ العدل – عدلت فآمنت يا عمر – و يحافظوا بذلك على رشاقة أجسامهم ونعومة أذقانهم و حلاوة وجوههم و عطارة أبدانهم , إلاّ أنّهم ركبوا الموجة الأمريكية في الإتجاه المعاكس لشعوبهم متناسين أنّ أمريكا لا يمكن أن تضمن لهم البقاء السرمدي في السلطة لأنّها تستخدم حكامنا كعرائس الأراجوز , بل إنّ الذي يضمن لهم عزّة الدنيا والأخرة هم شعوبهم المستضعفة التي يسيرون دوما في إتجاهها المعاكس .
وإذا كان حكامنا في إدبار بإتجاه أمريكا والشعوب في إقبال بإتجاه الحريّة و الإنعتاق فما أسرع إنهيار حكامنا وليبدأوا من الآن بإدخّار أمواس الحلاقة , لكن لات حين مناص !!!
العقيد القذافي وفرانسيس فوكوياما
لا أحد في العالم العربي والإسلامي كان يتوقّع أن يقوم العقيد معمّر القذافي صاحب النظريّة الثالثة والكتاب الأخضر بنسخ كل نظرياته السابقة وإحداث النقلة الفكرية والسيّاسية في نهجه النظري وبنسبة 180 درجة ودفعة واحدة و بدون مقدمّات .
و خلال أقلّ من عقدين جرت تغييرات سياسيّة وفكريّة مذهلة في الجماهيرية الليبية العظمى من العوربة ومرورا بالأفرقة وإنتهاءا بالأمركة .
فالعقيد القذافي الذي بدأ حياته السياسيّة كضابط متأثّر بالتجربة الناصرية ونسج علاقات بالحركات النضالية العربية وحركات التحررّ العالمي سرعان ما تخّلى عن نهجه القومي عندما تبيّن للعقيد القذافي أنّ الأمة العربية أكذوبة من صنع مجموعة من المنظرين العرب , كما صعب عليه أن ينسّق مع حكام العرب الآخرين الذين لا يجمع بينهم أي قاسم مشترك , وهذا ما يفسّر إنهيار مشاريع الوحدة العربية الواسعة والمجزأّة التي كان يطرحها القذافي على بعض الرؤساء العرب .
وهنا ينتج سؤال منطقي في سيّاق تتبّع المسلكيّة السياسيّة للعقيد معمّر القذافي وهو هل كان العقيد القذافي يريد أن يحققّ ذاته وأناه من خلال مشروع الوحدة العربية وعندما لم يتسن له تكريس زعامته عربيا راح يبحث عن تكريس هذه الزعامة في جغرافيا أكثر إستضعافا وتراجعا وفقرا وهي الجغرافيّا الإفريقيّة !
أمّ أنّ العقيد معمر القذافي كان مؤمنا إلى النخاع بالفكر الوحدوي العربي وعندما لم يجد الأرضية المناسبة لتفعيل هذا الفكر وخصوصا بعد توالي النكسات والخيبات و الإنهيارات في كل الواقع العربي راح يبحث عن ملاذ إيديولوجي آخر فرارا من الأوجاع السرمديّة في الواقع العربي !
و بالإستناد إلى علم نفس تحليل الكاريزما والشخصيّات نستنبط أنّ العقيد القذافي كان مصابا بداء تقديس الآنا من جهة وكان مولعا بالفكر الوحدوي العربي من جهة أخرى بل إنّ هناك ملازمة طرديّة بين الأمرين في ماهيّة شخصية العقيد معمّر القذافي , وعندما لم يؤدّ الفكر الوحدوي إلى تحقيق ذات العقيد معمّر القذافي راح يبحث عن حيّز فكري وجغرافي آخر لتحقيق هذه الذات التي لها من الطموح الشيئ الكثير خصوصا وأنّها ذات عسكرية ووصلت إلى دوائر القرار في سنّ مبكرّة للغاية .
ومن العوربة و إلى الأفرقة حاول القذافي أن يتحرّك في مواقع جغرافية لا تؤمن بالإيديولوجيا بتاتا بحكم الجوع السائد فيها و الفقر المدقع الذي يلف حالتها العامة رغم غزارة الثروات الباطنيّة و الظاهرة فيها , وهنا بذل القذافي الكثير من الدولارات لتطويع إفريقيا المضطربة بين الأمركة والفرنسة والأنجلزة والصهينة ونجح مع بعض الزعماء الأفارقة في خلق الإتحّاد الإفريقي خلفا لمنظمّة الوحدة الإفريقية , غير أنّ تغيير عنوان منظمة الوحدة الإفريقية لم يغيّر من واقع إفريقيا في شيئ , و الأعباء السياسية و الإجتماعية و الأمنية والعسكرية و الثقافية و صراعات الحدود فيها لا يقدر القذافي على مجابهتها أو تطويقها خصوصا مع كثرة اللاعبين الكبار في الساحة الإفريقية وتعدد الصغار الإقليميين الباحثين عن أدوار في القارة الجائعة , وهنا بدأت بعض آمال القذافي تخيب في إفريقيا خصوصا إذا علمنا أنّ بعض الحكّام الأفارقة الذين إستلموا مساعدات مادية من ليبيا كانوا يأكلون من مائدة القذّافي ويصلّون في محراب الرئيس الأمريكي جورج بوش .
وبعد نجاح أمريكا في الإطاحة بالرئيس العراقي السابق صدام حسين و إذلاله على مرآى من العالمين , شعر العقيد معمّر القذافي أنّ الرسالة موجهّة إليه وإلى أقرانه من حكّام العرب وهنا إستشعر القذافي أيضا أن ذاته في خطر فقلب ظهر المجنّ للعوربة والأفرقة للحفاظ على الذات .
والضامن الأساس لإستمرار هذه الذات الحاكمة المتنفذّة راهنا هي أمريكا بحكم الأمر الواقع وهنا قررّ العقيد معمّر القذافي وبسرعة البرق القضاء على كل مسببات التوتر بين ليبيا والولايات المتحدة الأمريكية إلى درجة أنّ أمريكا رضيت عن ليبيا في ظرف وجيز وقياسي لم يحدث من ذي قبل في أي علاقة متوترّة بين أمريكا وأي دولة أخرى .
و نجح العقيد القذافي في الحفاظ على ذاته وحكمه ما دامت الذات هي الأصل والفكر هو الفرع , وبهذا الشكل أيضا ينتقل العقيد معمّر القذافي من موقع التنظير والتأصيل إلى موقع التأثّر والتلقي ومن شخصية يبانيّة متأمركة هي فرانسيس فوكوياما الذي أكدّ في كتابه نهاية التاريخ أنّ النموذج الليبيرالي الغربي هو المنتصر والفائز و له طويت الوسادة في قرننا المنصرم و قرننا الراهن وقرننا المقبل .
و فوكوياما المفكّر الأمريكي الذي كان في عرف معمر القذافي مفكرّا أمبرياليّا إستعماريا رجعيا ظلاميا يصبح ملهما وواقعيا وبراغماتيا ومقبولا . ويؤكّد العقيد القذافي بما أقدم عليه وبسرعة البرق صحّة نظرية فوكوياما فيما فوكوياما ودولته أمريكا تعتبر الكتاب الأخضر والنظرية الثالثة من ترهّات أحلام اليقظة .
وأخطر ما في الموضوع في الزمن الأمريكي الراهن أننا وفي ظرف ثواني تخلينا عن ثوابتنا ومنطلقاتنا وفكرنا و مبادئنا وخططنا وإستراتيجيتنا , وفي الوقت الذي يسجّل فيه الغرب الإنتصار تلو الإنتصار نسجّل نحن التراجع تلو التراجع , فمن قال أنّ العولمة الأمريكية لم تخرجنا من جلودنا !!
الجزائر في الائجاه الصحيح
تعيش الجزائر هذه الإيّام مخاضا حقيقيّا سيفضي إلى إنبلاج حالة سياسية مغايرة تماما لما كان عليه المشهد السياسي الجزائري على مدى العشر سنوات الماضيّة , ولأول مرّة سيكون هذا المخاض إيجابيّا وفي الإتجّاه الصحيح وذلك بعد نمو مجموعة من الشروط السياسية التي أفضت إلى وضع الجزائر في الإتجّاه الصحيح .
صحيح أنّ الجزائر فقدت سابقا الكثير من قدراتها و مقوماتها و طاقتها البشرية ومواردها وأستنزفت بشكل كبير في تفاصيل حالتها العامة لكنّ كل ذلك ساهم في إنضاج الشروط السياسية المذكورة آنفا والتي ستعصم الجزائر مستقبلا من السقوط ثانية في مستنقع الفتنة الداخلية و التي ستمدّها بالمناعة اللازمة في عالم مقبل على تطورات مذهلة على المدى القريب والمتوسّط .
و قد ساهمت الإنتخابات الرئاسية التي جرت في الجزائر والتي فاز فيها الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في تدشين السكّة الصحيحة التي ستبدأ الجزائر السير فيها بإتجاه التقويم السياسي والإقتصادي و الإجتماعي وحتى الثقافي والفكري .
و لم يكن لهذه الحالة السياسية الجزائرية السليمة أن تتبلور لولا تآزر مجموعة شروط منها إيفاء المؤسسّة العسكرية الجزائرية بوعدها بأنّها ستقف على الحياّد و تفكير صنّاع إستراتيجيتها جديّا في ترك الساحة السياسية و التفرغ للمهام الدستورية و هي الحفاظ على الوحدة الترابية و الحدود الجزائرية التي صاغتها دماء شهداء ثورة نوفمبر المقدسّة و هنا لا بدّ من الإشارة إلى أنّ الضبّاط الشباب من جيل الإستقلال الذين بدأوا يتبوأون مناصب رفيعة في سلك المؤسسّة العسكرية والأجهزة الأمنية يتمتعّون بثقافة عالية و تكوين عالي وإدراك واسع للمتغيرات الدولية و يتمتعون بحبّ واسع وغير محدود للجزائر وجزء منهم هو الذي قاد المفاوضات مع الجيش الإسلامي للإنقاذ و الجماعة السلفيّة للدعوة والقتال والتي أفضت إلى ترك معظم عناصر هذين التنظيمين الجبال وهي خطوة صحيحة ويجب أن تدعم بل يجب إقناع كافة العناصر المسلحّة بأن تبادر إلى إلقاء السلاح والإنخراط في المجتمع المدني لأنّ العنف لا يؤدي إلى أي نتيجة غير تدمير الجزائر و نخرها في الصميم , وإغلاق ملف المجموعات المسلحّة سيجعل الفعل السياسي أكثر حضورا وفعاليّة من الفعل الأمني الذي يضرّ أكثر مما ينفع .
وفي هذا السيّاق يشار إلى أنّ الذين نجحوا في إغلاق هذا الملف سواء مع الجيش الإسلامي للإنقاذ أو الجماعة السلفية للدعوة والقتال عليهم أن يحاولوا جاهدين مع بقية الجماعات المسلحّة لتتخلى إلى الأبد عن العمل المسلّح لأنّ السنوات الأخيرة أثبتت عدم جدواه ناهيك عن أنّ الجدار الوطني التهرّئ كثيرا ما يكون مساعدا للإرادات الدولية على العبث بالوضع الداخلي والتدخل فيه بالسياسة تارة وبالعسكرة تارات أخرى .
وبالإضافة إلى ذلك فإنّ مفهوم المصالحة الوطنية بات قناعة للرسميين وغير الرسميين , فالرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة ومن خلال حنكته السياسيّة العريقة بحكم كونه أحد مؤسسّي الديبلوماسية الجزائرية و أحد بناة سمعة الجزائر الدولية في الستينيات و السبعينيّات أسقط الكثير من تجاربه السابقة على راهن الحالة السياسيّة في الجزائر و نجح كما يقول محبوه وخصومه في أن يلعب اللعبة السياسيّة بأصولها وقواعدها وهو الأمر الذي جعله يضيف دما جديدا إلى الجسد الجزائري داخليا وخارجيّا .
وإذا كتب له أن يحقن دماء الجزائريين ويجمع شملهم ويوحدّ صفوفهم تحت سقف الوطن الجزائري فلا شكّ أنّه سينال ما لم ينله سابقوه من إحترام و توقير وخصوصا إذا نجح في تسليم الراية للطاقات والكفاءات الهائلة من جيل الإستقلال .
و الإيجابي في مساعي بوتفليقة كما تشير معلومات دقيقة من مقربيه أنّه لا يناور ولا ينافق فالرجل مؤمن بفكر المصالحة الوطنية وهي عنده إستراتيجية و ليست تكتيكا ويؤمن بنشر الإخاء والتصافي و المودة بين الجزائريين كافة .
ولا شكّ في أنّ الطبقة السياسيّة الجزائرية بمختلف مشاربها نضجت بما فيه الكفاية وباتت ترى في المصالحة الوطنية شرطا أساسيّا لإخراج الجزائر من أزمتها وهي تطالب بتفعيل مشروع المصالحة كإستراتيجية وليس كمناورة سياسية .
وفوق هذا وذاك فإنّ الذين صعدوا إلى الجبال لظروف قاهرة ولأسباب معروفة للجميع إكتشفوا خطأ هذا النهج الذي يراكم الأوجاع ولا يحقق المراد الذي يمكن تحقيقه عبر النضال السياسي المدروس والعقلاني والذي يأخذ بعين الإعتبار ظروف الجزائر داخليا وإقليميا ودوليّا كما أنهم شرعوا في العودة إلى أحضان المجتمع الجزائري وأحضان عوائلهم أيضا .
وقبل كل هذه العوامل وبعد كل هذه العوامل هو تأكيد الشعب الجزائري بمختلف شرائحه على إيمانه بالمصالحة الوطنية الشاملة و ذلك من خلال مشاركته في الإستفتاء على قانون الوئام سابقا و من خلال مشاركته في الإنتخابات الرئاسية وميله لطروحات المصالحة الوطنية و مشروع حقن الدماء و إعادة الجزائر إلى سالف عزتها وقوتها السياسية والديبلوماسيّة وربما هذا أبرز عامل أدّى إلى أن ينضج فعليا خيّار المصالحة الوطنية و جعلها خيارا لا رجعة عنه .
ولا يختلف في هذا الشارع الإسلامي عن الشارع القبائلي عن الشارع الديموقراطي والعلماني فالكل عازم على إنهاء الأزمة الجزائريّة وفي أقرب وقت لتنصرف الجزائر بعد ذلك إلى تقوية دورها السياسي و الديبلوماسي والإقتصادي وهي تملك كل الشروط المركزية والثانوية للقيام بهذا الدور وبجدارة , ولعلّ الشيئ الذي أفضى إلى بداية سير الجزائر في الإتجاه الصحيح هو تلاقي خيّار الراعي وهي السلطة بخيّار الرعيّة و هي هنا الشعب الجزائري وخيار الإثنين هو المصالحة الوطنية الشاملة التي ستضع حدّا لسنيّ الدماء والدموع , و هذا لا يعني أنّ هناك من يتربّص بالجزائر داخليّا وخارجيا و يريد وقف سيرها في الإتجاه الصحيح لكنّ التجارب السابقة وإستحضار العبر سيكون كفيلا بعصمة الجزائر من كل الموبقات .
وإذا إستكملت الجزائر هذه المرحلة ستكون قد أنهت فصلا أسودا من تاريخها و تنطلق في المرحة الثانية وهي إعادة البناء السياسي والإقتصادي وهذا يتطلب إشراك كل القدرات الجزائرية و الكفاءات و أصحاب الطاقة الذهنية لتقديم عصارة ما لديهم لصقل بناء الجزائر وإنتاج جزائر جديدة قوية في عالم يأكل فيه الكبار الصغار !!
عودة الاستعمار
تشبه بداية هذا القرن ببداية القرن الماضي في كثير من التفاصيل وتحديدا الجانب المتعلّق بالعالم العربي والإسلامي , ففي بداية القرن التاسع عشر أستبيح العالم العربي والإسلامي إستباحة عسكرية و ثقافية وسياسيّة وإقتصاديّة وقد أدّت هذه الإستباحة التي كان وراءها الغرب بثقافتيه الفرنسية والإنجليزيّة إلى تعطيل المشروع التنموي والنهضوي العربي والإسلامي , كما أدّت إلى نشوء عوامل التخلف في كل مواقعنا . وفي الوقت الذي كانت فيه الحركة الإستعماريّة الغربيّة تطوّر مشروعها النهضوي والحضاري بمواردنا الأوليّة و بخيراتنا الظاهرة والباطنة و بأيدي أجدادنا الرخيصة , كانت في المقابل تدكدك وتطوّق كل منطلقات النهضة في مواقعنا وحتى لمّا غادرت هذه الحركة الإستعماريّة مواقعنا بضربات هذه الثورة وتلك , فقد غرست في الصفوف الأمّامية والخلفيّة لكل ثورة من سوف يكمل المسار الإستعماري لكن بأساليب جديدة , ولعلّ هذا ما قصده الجنرال شارل ديغول وهو يغادر في الجزائر سنة 1962 عندما قال : لقد غرسنا في الجزائر بذورا ستينع بعد حين . وشاءت الظروف أن فعل أبناء ثقافة فرنسا في الجزائر ما لم تفعله فرنسا في الجزائر نفسها , ففرنسا تمكنّت من قتل مليونين جزائري لكنّها لم تتمكّن وأد الثقافة العربية والإسلامية , التي سهل على أبناء الجزائر من المتفرنسين من وأدها وبطرق جهنميّة.
وعلى إمتداد مائة سنة عاش عالمنا العربي والإسلامي موزعّا بين ثقافتين وهما الثقافة الفرنسية والتي كانت تمثلّها الأمبراطوريّة الفرنسيّة التي كانت تحتّل ثلث الكرة الأرضية , والثقافة الأنجليزيّة والتي كانت تمثلها الأمبراطوريّة البريطانيّة والتي كانت تحتلّ ثلثا أخر من الكرة الأرضيّة . وتعتبر المستعمرات الفرنسية والبريطانية السابقة من أكثر المناطق التي تعاني راهنا أزمات في هويتها وإقتصادها وسياستها وأمنها وثقافتها وزراعتها وجغرافيتها وما إلى ذلك. ولم تعمل الأمبراطوريتان الفرنسية والأنجليزية على نشر الحضارة والإزدهار كما أدعتّا في بداية إحتلالهما لهذه الدولة وتلك , بل قامتا بإمتصاص كل الخيرات التي كانت كفيلة لو ظلت بأيدي أصحابها بإحقاق النقلة النهضويّة في واقعنا العربي والإسلامي . كما قامت بإستحمار الشعوب العربية والإسلامية كما قال الأستاذ مالك بن نبي . وعلى الرغم من إنتهاء مرحلة الأمبراطوريّات , إلأّ أننّا دخلنا في مرحلة أشد خطورة هي عبارة عن جمع بين ما سبق من تعسفّ أمبراطوري عسكري – حيث الإعتداء على الجسد والجغرافيا – و التعسف العقلي والثقافي – حيث التخطيط المحكم لمصادرة تاريخنا وموروثنا ومقدساتنا - .
فالأمركة أو العولمة هو المشروع الذي تقوده حاليّا الولايات المتحدة الأمريكيّة والتي تريد تعميمه على العالم وخصوصا بعد أن أصبحت المهندس الوحيد لمجمل القرارات العالميّة , وعلى رغم تعميمها لنموذجها بقوة التقنية والإعلامية في مجمل القارات الخمس , إلاّ أنّها إنتقلت إلى مرحلة الفعل العسكري لتعميم هذا النموذج في المواقع التي تتمتّع بممانعة ذاتية لمشروعها وهو العالم الإسلامي الذي تدفعه عقيدته بإتجاه الإعتزّاز بالذات .
وقد دفع مشروع الأمركة مشروعا أخر كان موجودا ومطروحا لكن ليس بهذه القوة وهو مشروع الفرانكفونية الذي تقود لواءه فرنسا .
وكلا المشروعين الأمركة والفرانكفونية هما مشروعان إرهابيان وليدا نزعة إستعلائيّة إستكباريّة في حقّ الشعوب المستضعفة .
فالغزاة الفرانكفونيون عندما وصلوا إلى المغرب العربي في سنة 1830 , حولّوا المساجد إلى كنائس وإصطبلات , وجمدّوا تدريس اللغة العربية , وأعتبروا مدرّس اللغة العربية مجرما يجب سجنه بين ست أشهر وسنتين , وحظروا كل مدارس التعليم العربي والقرآني و الديني , وفي المقابل فرضوا اللغة الفرنسية وأجبروا الناس على ضرورة تعلمها إلى أن نسوا لغتهم الأم اللغة العربيّة . ولم يكتفوا بذلك بل قتلوا في الجزائر في بداية غزوها أربع ملايين جزائري هبّوا للدفاع عن مقدساتهم , وأنتهكوا حرمات النساء , وفرضوا على الجزائريين أسماء لا هي عربية ولا هي أعجمية إمعانا في تشويه الشخصيّة الجزائريّة .
وقد تمكن الغزاة الفرانكفونيون من إفقار إفريقيا وإمتصاص خيراتها , ولم يبقوا حتى على الفاكهة الإفريقية التي كانت ترسل للإنسان الأوروبي , بعد أن يزرعها ويقطفها الإنسان الإفريقي بدون مقابل . وحتى المساعدات الفرنسيّة إلى الشعوب الإفريقيّة بعد إستقلال إفريقيا كانت تسترجع فرنسا بدلها ربحا مضاعفا , وقد قال مستشار الرئيس الفرنسي الراحل فرانسوا متيران إنّ كل فرنك تدفعه فرنسا كمساعدة لإفريقيا تسترجع بدله عشر فرنكات . وفرنسا التي ترفع لواء الفرانكفونية وتسعى لضمّ مستعمراتها السابقة إلى مظلتها اللغوية والحضارية والثقافية حبذا لو تكون رفيقة مع هذه الدول وتعفيها من ديونها المترتبة عليها لفرنسا والتي تجاوزت مئات الملايير من الدولارات .
ولم تكتف فرنسا بهذا بل إستقطبت مثقفين فرانكفونيين من البلاد العربية والإسلامية وراحت تغدق عليهم الجوائز ليسبّوا إسلامهم ودينهم وعروبتهم , مثلما فعل كاتب جزائري فرانكفوني يدعى كاتب ياسين والذي طالب رسول الإسلام محمد بحمل حقيبته ومغادرة الجزائر !
والأمركة المتحالفة مع الراديكاليين اليهود والبروتستانت تهدف هي الأخرى إلى إستئصالنا من واقعنا الثقافي والحضاري إلى واقعها وحضارتها بإعتبارها النموذج المنتصر على حد ماذهب إليه فوكوياما . والحروب الأمريكية الماضية والراهنة والمقبلة في العالم العربي والإسلامي هي تتمّة وإستمراريّة لما كان وقد عرفه عالمنا العربي والإسلامي قبل أزيد من مائة عام .
وقد إستخدمت الأمركة نفوذها الإقتصادي والعسكري والأمني واللوجستي والسياسي في تنفيذ مشروعها الذي بدأ بتحويل الإسلام إلى عدو رقم واحد للكتلة الغربيّة , ثمّ لجأت إلى نخر هذا العدو رغم كونه مستضعفا ضعيفا , بتجفيف منابعه الثقافية تارة , و محاصرته تارة أخرى , ولأنّه لم يبق له إلاّ النفط فهي قادمة لتجريده من هذا المصدر الذي بقيّ له , وبعد ذلك وعندما تتأكّد أنّها قد أجهزت عليه تعمل في مواقع وجوده صياغة وإعادة رسم تماما كما بدأت الأمبراطوريات السالفة الذكر برسم خرائطنا وجغراقياتنا في بداية القرن الماضي .
ويأتي دور الصهينة لتكمل ما تبقى من مشاريع الوأد الحضاري في أهم موقع جغرافي وحضاري نملكه , وبمباركة من الأمركة , وصمت عفيف من الفرانكفونية توغل الصهينة خناجرها في أهم موقع عربي وإسلامي , وتغذى الصهينة مشروعها السياسي والعسكري والأمني بمشروع ثقافي وفكري يهدف إلى تشويه حقائق التاريخ والجغرافيا , ويضيف إلى مشاريع الإنقضاض على عالمنا العربي والإسلامي مشروعا أخر لا يقل خطورة بل هو الدافع لهذه المشاريع أن تمعن في طعن العالم العربي والإسلامي المريض .
والفرانكفونيون يحق لهم أن يتحدثوا عن الفرانكفونيّة , و الأمريكيون يحق لهم أن يتحدثوا عن الأمركة والصهاينة يحق لهم أن يتحدثوا عن الصهينة . فلماذا عندما يتحدث المسلمون عن إسلامهم يتهمون بالإرهاب !
موريتانيا المسلمة بين الأمركة و الفرانكفونية والصهينة .
تقع دولة موريتانيا في الشمال الإفريقي أو المنطقة التي تعرف باسم المغرب العربي , وتحدّها من الشمال الشرقي الجزائر ومن الشرق والجنوب الشرقي مالي ومن الجنوب السنغال التي يفصلها عنها نهر السنغال و من الغرب المحيط الأطلسي ومن الشمال الغربي الصحراء الغربية والمغرب .
ومناخ موريتانيا صحراوي جاف بدءا من شهر تشرين الثاني – نوفمبر –والى شهر حزيران –يونيو - , أمّا مساحة موريتانيا فتبلغ 1.030.000كلم مربع وعدد سكانها حوالي المليونين حسب أخر الإحصاءات في التسعينيات .
وقد نزح سكان موريتانيا من شمال إفريقيا أثناء ازدهار الحضارة القفصيّة في العصر الحجري الجديد وأستقرّوا في شمال البلاد في مناطق بئر بوغرين وزويرات ونواذيبو .وفي نفس الفترة نزحت قبائل من إفريقيا السوداء الى موريتانيا و أستقرّت في الجنوب الموريتاني وهم المعروفون اليوم باسم الزنوج الموريتانيين . وحسب الباحثين فانّ 80 في المائة من السكان الموريتانيين هم من البربر والعرب الحسانيين أو البيضان – أي البيض –وهؤلاء يقطنون في الشمال الموريتاني وفي الوسط , أمّا الزنوج الموريتانيون فيقطنون في جنوب موريتانيا وهم ينحدرون من النيجر والسنغال ومالي وينتمون الى عدة قبائل مثل بسبرة وسركولي والولوف وتوكولير و البيد .
والعاصمة الموريتانية هي نواكشوط , أمّا المدن الرئيسية فهي نواذيبو وقايدي و زويرات وروسو وأطار وكيفة .
واللغة العربية هي اللغة الأصلية والغالبة في موريتانيا مع وجود مكثّف للغة الفرنسية المنتشرة خصوصا في وسط الزنوج الموريتانيين , وقد نصّ البند الثالث من أول دستور موريتاني لعام 1961 بعد التعديل على أنّ اللغتين العربية والفرنسية هما لغتان رسميتان في البلاد .
أمّا الديانة السائدة في موريتانيا فهي الإسلام وحسب الدستور الموريتاني فانّ الإسلام هو دين الدولة . وتفيد بعض الدراسات المتخصصة أنّ موريتانيا كانت مأهولة بالسكان منذ عصور ما قبل التاريخ , كما أنّ العديد من الحضارات قد توالت على موريتانيا منها الحضارة العثيرية أثناء العصر الحجري والعصور الوسطى والعليا , والحضارة الحفصية التي انطلقت من تونس والتي تأثرّت بحضارة وادي النيل . وفي هذه الحقبة التاريخية انتقل الإنسان الموريتاني من مرحلة الرعي وتربية المواشي الى مرحلة الزراعة ومنها إلى عصر التجارة .
وكبقية الأقطار المغاربية فقد تعرضّت موريتانيا للاحتلال والغزو الفينيقي والروماني , وقد أقام الفينيقيون على سواحل موريتانيا مراكز تجارية متعددة أشهرها ليكس والتي سمّاها الرومان فيما بعد ليكسوس وهي العراش حاليا , وأستمرّ الفينيقيون يشرفون على المناطق الساحلية الموريتانية الى أن أنهزموا أمام الرومان في الحروب البونيقية في 146 قبل الميلاد .
أمّا الإسلام فقد دخل إلى موريتانيا مع موسى بن نصير في سنة 708 بعد الميلاد حيث عندما وطدّ المسلمون وجودهم في بلاد المغرب انطلقوا جنوبا نحو موريتانيا لمواصلة نشر الدعوة الإسلامية , وقد أدرك المسلمون أهمية موريتانيا من حيث موقعها الجيوسياسي الحسّاس باعتبارها واقعة على طريق استيراد الذهب من غربي افريقيا .
وقد لعبت موريتانيا دورا بارزا في إثراء الحضارة الإسلامية وأصبحت مركز إشعاع علمي وثقافي , وكانت الدولة الموحديّة التي وحدّت المغرب العربي تأسسّت في منطقة السوس المتداخلة بين المغرب وموريتانيا بقيادة المهدي بن تومرت , وحتى في العهد الفاطمي لعبت موريتانيا دورا كبيرا في توطيد أركان الدولة الفاطمية الإسماعيلية , ومعروف أنّ العرب الحسّانيين الذين يشكلّون النسبة العالية من سكان موريتانيا هم من قبائل معقل التي زحفت مع الهلاليين وبني سليم بأمر من الخليفة الفاطمي في مصر .
ولأنّ موريتانيا تحتلّ موقعا استراتيجيا فقد تحولّت الى محل أطماع الغربيين وتحديدا دول جنوب حوض المتوسط كالبرتغال , وقد بدأ اهتمام البرتغاليين بموريتانيا منذ النصف الأول من القرن الخامس عشر , ففي عام 1434 ميلادية نزل القائد البحري جيل أيانيش لأول مرة في رأس بوغديد الصحراوية التي كانت في ذلك الوقت جزءا من موريتانيا .
وقد كتب العديد من الرحالة البرتغاليين الكثير من المعلومات و الكثير من الكتب عن موريتانيا وشعبها في ذلك الوقت , كما أنشأ البرتغاليون مراكز للعبيد حيث كان القراصنة البرتغاليون يخطفون الموريتانيين ويبيعونهم في أسواق الرقيق في أوروبا .
وكثيرا ما أستغلّ البرتغاليون الصراعات المستفحلة بين البراكنة والطرارزة وهما قبيلتان تنتميان إلى العرب الحسانيين لبسط سيطرتهم على موريتانيا ونفس الصراعات خدمت الهولنديين ومن بعدهم البريطانيين و الفرنسيين الذين استولوا على أقطار المغرب العربي .
وكانت فرنسا وبريطانيا تتقاسمان النفوذ في موريتانيا وفي سنة 1854 خطت فرنسا خطوة كبيرة نحو موريتانيا عندما أشرف الوالي الفرنسي فيديريب على تجهيز حملة عسكرية على قبيلة الطرارزة والتي كانت شرسة في معارضة الوجود الغربي في موريتانيا , وكان هدف الحملة الفرنسية اعادة الأمن والاستقرار الى موريتانيا بزعم الفرنسيين , وتمكنّت فرنسا من فرض شروطها على أمير الطرارزة محمد الحبيب الذي خضع للفرنسيين حفاظا على موقعه وهذا ما دفع بعض الموريتانيين المناوئين للاستعمار الفرنسي إلى اغتياله سنة 1860 .
وفي 27 كانون الأول – ديسمبر – 1899 صدر قرار حكومي فرنسي بتأسيس دولة موريتانيا الفرنسية , ولإسكات إسبانيا التي كان لها وجود في موريتانيا اتفقت فرنسا معها عام 1900 على أن يمتدّ النفوذ الإسباني إلى الصحراء الغربية شمالي الرأس الأبيض .وفي مؤتمر الجزيرة الخضراء الذي انعقد عام 1906 بمشاركة الدول الأوروبية المتنافسة على موريتانيا وهي : فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا تقررّ أن تكون منطقة شمال وغربي إفريقيا تحت السيطرة الفرنسية .
ومن أجل إدماج موريتانيا بشكل كامل في فرنسا أصدرت فرنسا قرارا يقضي بأنّ موريتانيا يحق لها ترشيح نائب واحد يمثلها في الجمعية الوطنية الفرنسية –البرلمان -.
وسمح هذا القرار بتأسيس تيارات سياسية موريتانية والتي منها :
الاتحاد التقدمي الديموقراطي .
حزب الوفاق الموريتاني .
وكان يتزعم حزب الوفاق الموريتاني خورما ولد بابانه وكان عميلا للسلطات الفرنسية وقد أسسّ حزبه للتصدي للزعماء الدينيين التقليديين الذين كان لهم دور كبير في تاريخ موريتانيا .
وفي سنة 1956 أخذت فرنسا تفكّر في إدارة مستعمراتها في الشمال الإفريقي بطريقة مغايرة حتى تتمكنّ من التصدي للثورة الجزائرية التي باتت تهددّ الوجود الفرنسي برمته في الشمال الإفريقي, فأنشأت فرنسا في موريتانيا مجلسا حكوميّا رئيسه فرنسي ونائب رئيسه موريتاني , وكان هذا الموريتاني هو زعيم الاتحاد التقدمي الموريتاني مختار ولد داده.
وبعد استقلال المغرب اصطدم ولد داده معها لأنها كانت تطالب بضمّ موريتانيا إلى المغرب, ورفع شعار استقلال موريتانيا, أمّا خصمه السياسي خورما ولد بابانه فقد كان مؤيدا لفكرة انضمام موريتانيا إلى المغرب .
وقد دعم الفرنسيون مختار ولد داده وقرروا أن تكون نواكشوط عاصمة الدولة الموريتانية والتي أختارت فرنسا رئيسها وهو مختار ولد داده.
وفي 28 تشرين الثاني – نوفمبر – 1960 منحت فرنسا الاستقلال لموريتانيا , وأنتقلت حكومة موريتانيا الإسلامية برئاسة مختار ولد داده والذي كان عمره في ذلك الوقت 36 سنة من سانت لويس بالسنغال إلى نواكشوط عاصمة موريتانيا الفتيّة , وفي 1961 أصبحت موريتانيا عضوا كاملا في الأمم المتحدة رغم معارضة المغرب التي لم تعترف بموريتانيا كدولة مستقلة إلاّ في سنة 1969 .

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق