السبت، 29 أكتوبر 2011

قالوا فى تجارة الأعضاء البشرية..

بيع وسرقة وسطو.. وفى أغلب الأحيان الفقر متهم..!
كتبت: محمد ناجي
عامر زاهر عبد الحليم.. شاب فى منتصف العقد الثانى من عمره.. كان يسير فى الشارع ذاهباً إلى مكان ما.. وفجأة تهاجمه آلام عنيفة.. شرسة لا يقوى جسده الضعيف على احتمالها.. ويسقط فاقداً للوعي!!
يتجمع المارة فى الشارع حول عامر الذى يرقد ساكناً.. ينقلوه سريعاً إلى أقرب مستشفى "مستشفى بولاق الدكرور" لكن القدر لا يمهل عامر طويلاً..
لم تكن سوى ساعات محدودة قبل أن يفارق الحياة بعدها، وتخمد آخر أنفاسه!!..
ن هذه القصة ليست من وحى خيالي.. أنما هى حكاية حقيقية وأبطالها حقيقيون.. طالعتنا فى صفحات الحوادث منذ فترة.. ربما تكونوا قد قرأتموها أو لا.. لكن من المؤكد أنها تعبر عن مأساة شاب فى مقتبل عمره فقد حياته بسبب سماسرة الموت.. ودفع عمره ثمناً لأحلامه البسيطة.. ما السبب فى موت عامر,, لابد أنه السؤال الذى يدور فى أذهانكم الآن.. إنه ليس لغزاً.. ولكن دعونا نعود إلى البداية لنعرف ماذا حدث بالتحديد:
الزمان: قبل شهر تقريباً من حدوث تلك الحادثة.. يسافر عامر إلى الغردقة بحثا عن عمل شريف.. ينفق منه على أسرته الصغيرة وخطيبته التى يستعد للزواج منها.. ويظل عامر يبحث لعدة أيام دون جدوى.. وأخيراً يعود بعد أيام قليلة مع صديقيه الذين سافراً معه خاوى الوفاض..
وتمر عدة أيام.. وبينما عامر يسير فى منطقة المهندسين باحثا عن عمل آخر.. يلتقى بسمسار هناك.. يستغل يأس عامر وحالته النفسية السيئة.. وبقليل من الكلام المعسول والأحلام التى وعد أن يحققها له.. يستطيع هذا الرجل بسهولة أن يخدع عامر.. ويقنعه أن مشكلاته المالية كلها سوف تحل إذا وافق على أن يبيع إحدى كليتيه ويقبض ثمناً لها 8آلاف جنيهاًاً فقط، كانت هى أقصى ما تمناه "عامر" ليحقق أحلامه المتواضعة!.
ويعتبرها عامر فرصة لا تعوض.. ويوافق على الفور وهو يعتقد أن الزمن قد تبسم له أخيراً وأن تحقيق أحلامه قد أصبح وشيكاً.
ولا يدرى عامر أنه يساوم على حياته.. وأنه حين قبل هذه الصفقة المشئومة.. كان يكتب شهادة وفاته بيديه!
ويجرى عامر العملية سريعاً دون أن يعلم أي شيء عن العواقب الطبية أو المضاعفات التى يمكن أن يتعرض لها بعد العملية.. ويقبض عامر الـ8 آلاف جنيهاًاً، ويعود إلى منزله وهو يكاد يحلق من السعادة، ويفكر ماذا سيفعل بهذا المبلغ، وبالطبع لم يخبر أحداً من أسرته بما فعل!
أما فصل النهاية والفصل الأخير فى هذه المأساة.. حين بدأ عامر يشعر بإرهاق شديد، وآلام مبرحة فى كافة أنحاء جسده بعد أيام من العملية.. ويقرر عامر أن يذهب إلى السمسار الذى عقد معه هذه الصفقة المشئومة فى بولاق الدكرور، وبينما هو فى طريقه يصاب بهبوط حاد فى الدورة الدموية ويسقط فى الشارع.. ويموت، وتنتهى قصة عامر..!!
لقد فضلت أن أبداً حديثى عن موضوع نقل وبيع الأعضاء البشرية بحكاية عامر.. وجدت أنها تصل إلى القلوب بما تعبر عنه من مأساة إنسانية حقيقية، وتعبر فى الوقت نفسه عن ظاهرة بيع الأعضاء البشرية التى تفشت مؤخراً.
ولكن قبل أن نلقى اللوم على احد.. وقبل أن نتساءل عن المتسبب فى قتل هذا الشاب المسكين ، وغيره من آلاف البسطاء الذين لا ذنب لهم فى حياتهم سوى أنهم كانوا يحلمون بتحقيق أحلامهم البسيطة مثلهم..
قبل أن نسأل هذا السؤال.. وقبل أن نرجع السبب إلى خلل فى أخلاقياتنا.. أو بعدنا عن الإنسانية أو.
لنا أن نعرف أن قضية المتاجرة فى الأعضاء البشرية قد أضحت قضية عالمية النطاق.. فحيثما تكون الظروف سانحة يتوفر تجار الموت.. وسماسرة الأعضاء البشرية.. ويستغلون المآسي و الكوارث بأحقر صورة ممكنة!
وليس ببعيد على أذهاننا مأساة زلازل جنوب شرق أسيا الرهيبة، وأمواج تسونامى المدمرة.. لكن الجزء الخفى من هذه الصورة والأكثر قسوة ومأساوية كان مع مافيا الأعضاء البشرية التى لم تتورع عن ممارسة تجارة الموت حتى فى هذه المناطق المنكوبة مستغلة الفوضى والعشوائية.. بعد أن تفشت المجاعات والأوبئة عقب الزلزال المدمر الذى ضرب المنطقة.. مخلفاً وراءه كارثة إنسانية لا زالت تبحث عن حل!
وطبقا لما جاء فى مجلة "بارى ماتش الفرنسية".. فإنه منذ الزلزال المدمر.. ظهرت مافيا المسئولين الذين غزوا الوديان المدمرة وتحت مسمى المساعدات الإنسانية كان يتم اختطاف أي طفل من الأيتام الذين فقدوا أسرهم، وسرقة الأعضاء البشرية منهم وبيعها إلى أي ثرى يبحث عن عضو بشرى يحتاجه.. قد يكون الكلى أو الكبد.. إلخ..
إن هذه الوقائع الحقيقية مجرد مثال.. يظهر لنا كيف إن هناك فئة من البشر لا يتورعون حتى عن الاتجار فى الأرواح، والتربح من وراء الكوارث!
أما فى مصر.. فالصورة لا تختلف كثيراً.. يستغل تجار الموت الظروف الصعبة للغالبية العظمى من الشباب.. ويلعبون على وتر تحقيق الأحلام وينسجون شباكهم بمهارة ليخدعوهم بمبالغ تافهة ثمناً لأعضائهم البشرية.. وأحياناً ثمناً لأرواحهم.
ولكي نكون فى موقف المحايدين، ونتناول هذه القضية الشائكة بموضوعية.. لابد لنا أن نشير إلى أننا هنا لسنا بصدد المطالبة بتحريم نقل الأعضاء البشرية أو وقفها.. فمن الواجب علينا أن نشير إلى أن عملية نقل الأعضاء البشرية هى تقنية حيوية يفاد منها كثيراً فى إنقاذ حياة الملايين من البشر.. لكن ماذا عن الوسيلة؟!
إننا ضد استغلال الظروف وخداع البسطاء.. فالقانون الذى لا يجرم نقل الأعضاء البشرية.. لابد ألا يغفل وضع التشريعات اللازمة لتنظيم تلك العملية وصياغتها فى إطار إنساني.. لا تجارى.. حتى لا نفتح الباب على مصراعيه لرواج هذه التجارة المشبوهة.
ولابد لهذا التشريع أن يضمن - وبصورة كاملة مؤكدة - أن يلقى الطرف المتبرع العناية الطبية والنفسية اللازمة قبل وبعد إجراء العملية، وأن يضمن هذا التشريع إن التبرع قد تم برغبته الحرة وأرادته الكاملة وهو على أتم علم بكافة الأخطار التى قد يتعرض لها نتيجة لفعله.
ولا يفوتنا فى هذا الصدد أن نشير إلى أن القانون الدولى لم يغفل فى ثناياه قضية بمثل هذه الدرجة من الأهمية والخطورة.. بل وضع العديد من الضوابط التى تنظم عملية استئصال ونقل الأعضاء والأنسجة البشرية بحيث يضمن ذلك أن تخضع تلك العمليات للمعايير الأخلاقية والضوابط القانونية المنصوص عليها..
ويشير بعض النصوص إلى أنه من الواجب على الطبيب قبل إجراء العمليات الخاصة بنقل الأعضاء أن يبصر المتبرع بالعواقب الطبية التى قد يتعرض لها نتيجة لتبرعه، واخذ الإقرارات اللازمة التى تفيد بعلمه قبل إجراء العملية وإرادته الكاملة.
كما يجرم القانون الدولى الاتجار فى الأعضاء والأنسجة والجينات والخلايا البشرية.. ويجرم نقل وزرع الخصية والمبيض.

ونحن هنا ندق نواقيس الخطر.. ونطالب بسد الثغرات القانونية التى تسمح لسماسرة الأعضاء البشرية باستغلال الظروف لصالحهم والاتجار فى أرواح وأعضاء البشر والإفلات من قبضة القانون..
وأخيراً نناشد الحكومة أن تكون أكثر رحمة بالبسطاء، وأكثر تعاوناً فى حل مشاكلهم حتى لا يستسلموا فى لحظات يأس، ويظهر لنا سوق جديد يحمل اسم "سوق الأعضاء البشرية!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق