الأحد، 30 أكتوبر 2011

محاولة لفهم وحشية الليبيين!

محاولة لفهم وحشية الليبيين!
مئات المقالات خاضت فى وصف وحشية الليبيين الثوار فى التعامل مع طاغيتهم، فمنهم من رآه قصاصا عادلا، ومنهم من خجل من وحشية المنتصرين الذين قتلوا اسيرَ حرب أصبح بين أيديهم.
التبسيط والتسهيل والأحكام القاطعة الفورية أمور تتصادم تماماً مع العقل الذى من المفترض أن يكون ق

د اختزن من التجارب والعلوم والثقافة ما يسمح له أن يسلك طريقاً مختلفاً لوصف المشهد الوحشى الذى آذى الكثيرين، وفرح به الكثيرون .. أيضا!
لكل فعل ردّ فعل يعادله فى المقدار وقوة الدفع ، وهنا يصبح اللجوءُ إلى العقل أقل عقلانية من عواطف الجماهير التى تزيحه جانباً لتتصرف بعفوية وتلقائية تتناغم مع الموقف، فقوة ُفرحها تعادل قوةَ غضبها، وهي، أى الجماهير ، على استعداد فى لحظات معينة من غليان عواطفها أن تسحل عدوها نورى السعيد فى بغداد، وموسولينى فى ميلانو، أو تنخرط فى حرب بين بلديهما بسبب مباراة كرة قدم مثلما حدث بين الهندوراس والسلفادور.
والقتل والسحل والتمثيل بالجثث ليست أكثر من فرصة تتاح للتعبير عن مشاعر الكراهية، لكن هناك مئات من نفس هذه الحالات لم تعرف طريقها إلا فى أحلام اليقظة، ولو أن بشار الأسد خرج برفقة شقيقه ماهر لتحية المسالمين فى درعا أو حمص ، فإن الجماهير السورية غير المسلحة ستفعل بهما مثلما فعل الثوار بعقيدهم الذى جثم على صدورهم لأكثر من أربعة عقود.
ولو تمكنت الجماهير اليمنية من الامساك بعلى عبد الله صالح فإن أكثرهم رقة ووداعة وطيبة سيمزقونه إرباً، ولن يبقى فى جسده سنتيمتر واحد لم يغرز فيه يمنى سيفه أو خنجره
ما حدث مع ديكتاتور ليبيا لا يتصادم مع الطبيعة فى أى وجه من الوجوه، فالخيال قادر على استدعاء آلاف الصور لوحشية الطاغية فى دقائق معدودة، والقتال المرير استغرق تسعة اشهر، وسقط عشرات الآلاف من الشهداء، وتم تدمير مدن بأكملها، وقيظ الصحراء مع عطش وغضب وارهاق يحدث اختلالات فى أجهزة الجسد المنوط بها التحكم فى العواطف والعقل والتفكير.
السلاح بين أيدى الثوار، وأكثرهم شباب، وليس من بينهم من لم يسقط له أخ أو أخت أو حبيب فى العهد الأغبر للقائد الملهم المتعطش للدماء.
ثم فجأة تمسكه أيديهم المرتعشة ولا يصدقون أنفسهم، والخوف من أن يفلت منهم إلى سجن وقفص ومحاكمة وطعام ساخن ومحامين من كل الجنسيات حضروا للدفاع عنه جعل الأصابع فى وضع الاستعداد للضغط على الزناد، فبينهم وبين قاتلهم ضغطة واحدة فإذا هم يتنفسون، أو يزفرون زفرة المحتفل بالنصر.
جماهير الأفراح كجماهير الأحزان، والعرس كالمأتم، ونفس عضلات الوجه هى التى تدفع إلى الغضب أو البهجة، والعقل لا يؤدى دوره فى الزحام، وأنت لا تستطيع أن تشاهد مباراة حامية الوطيس لكرة القدم ثم تنظر إلى جارك البارزة عروقه من الصياح وتناقشه فى مسرحية لشكسبير أو تسأله عن فيلم هل تحبين برامز؟
الثوار الليبيون كانوا رغم ذلك متحضرين فلم يمثـّلوا بجثته بعد تمزيقها قطعاً صغيرة، ولم يفصلوا رأسه عن جسده رغم أن مشاعر الغضب كانت قد تخطت مرحلة جمرات الحمم.
أما مشاهدة جسده فى المشرحة أو فى ثلاجة الطيور فهو حدث غير معتاد، واستنكره أكثر الناس كراهية لديكتاتور ليبيا، ولكن من كان قادرا على اقناع الليبيين أن عفريتهم مات، وأن المجلس الانتقالى لن يعلن أن شبيها بالقذافى هو الذى تم القبض عليه، فالطاغية تمكن من الهرب؟
خمسة أيام تحملنا فيها مشهداً غير إنسانى فى الظروف الطبيعية، لكنه مفهوم تماماً فى هذا الظرف الاستثنائى جداً، وأنا هنا لا أكتب عن معارضتى أو موافقتي، إنما أحاول التسلل إلى صدور الثوار وجماهير شعبنا لقراءة ما خفى علينا.
كل الذين وقفوا فى صف طويل لمشاهدة جثة تكاد تتعفن لم يكونوا متوحشين أو متخلفين، لكنهم أناس مثلنا جميعاً أرادوا فقط التأكد من أن العفريت لن يطاردهم فى أحلامهم ويقظتهم مرة أخرى.
دعونا ننظر إلى الجانب الايجابى من تلك الوحشية الظاهرة، وندلف إلى كوابيس طاردت مساء يوم قتل الطاغية المهرج دراكيولات أخرى فى اليمن وسوريا والسودان ورابعهم الباسط ذراعيه على صدره وهو راقد فى محكمة لا يدرى إلا الله إن كانت حقيقية أم مسرحية.
دعونا لا نصُبّ غضبنا على الذين عانوا ويلات حُكم المستبد البهلوان، فتصرفات وأفعال وتجاوزات الجماهير والثوار يمكن للذين يزعمون القدرة على وصف العدالة أن يتخيلوا أنفسهم مكان الثوار لتلك الدقائق المعدودة، وأحسب أن صوت العقل ربما سيكون منعدما تماما مقارنة بالصورة الوحشية المتحضرة لثوار ليبيا الأبطال.
ميزان العدالة السماوية والأرضية تم وضعه أمام المجروحين حتى النخاع للحظات، وهم لم يطففوا فيه، إنما الصدمة فى الامساك بطاغيتهم هى التى أصدرت الحكم العادل أو الجائر، لكنه الطبيعي!

الفتاوى الصحيحة فى الرد على العلمانية القبيحة

استباقاً لزمنٍ لمْ يأت بَْعد، واستشرافاً لعهدٍ يُطل جزءٌ منه علينا ، وبقعة تشاؤم فى ظلِ تفاؤلى الشديدِ بالثورة المجيدة، والتلاحم الوطنى الرائع، واثبات المصريين، خاصة الشباب، أنهم قادرون علىَ الأخذ بزمام القيادة لايصال مصر لبَرِّ الأمان، قررتُ أنْ أتخيل طرحَ أسئلة على أحد الذين انشقت الأرض عنهم فخرجوا علينا يقطفون ثمار ثورة 25 يناير، وأتخيل اجاباته وفتاواه، فجاء المشهدُ كالتالي:
س. التلفزيون حرامٌ شرعاً، والكاميرا والتصوير، ولكنك تطل علينا من الشاشة الصغيرة متحدثاً مع امرأةٍ كاسيةٍ عاريةٍ فى خلوة، فكيف تبرر ذلك؟
ج. هذا هراءٌ لأننى لم أصافحها، ولم تقع عيناى علىَ جسدِها وصدرها، فأنا أنظر إلى الأسفل حتى لا تقع فتنة.
وهناك رجالٌ ونساء فى الاستديو، فهذه ليست خلوة!
س. لكنك لم تجب عن سؤالي: هل التصوير حلال لذوى الأرواح، ثم إن الكاميرا صناعة الكفار، وأنت تثير بلبلة بين المؤمنين، فكيف ترى الأمرَ، سيدنا الشيخ؟
ج. نعم، التصوير حرام إلا لشيوخ الفضائيات لأننا نجاهد عبر الأثير، أما كل صناعات الكُفّار العلمية فهى حلال لنا ما دمنا نستخدمها فى الاستعداد لاعلان الخلافة.
س. عندما تعلنون، إن شاء الله، الخلافةَ من استانبول أو أنقرة أو قُمْ أو الكرخ او طشقند أو سمرقند، فهل سيأتى ملوك ورؤساء وأمراء العالميّن العربى والاسلامى لتقديم أوراق اعتمادهم للخليفة؟
ج. هذا صحيحٌ تماماً، وسننسحبُ من الأمم المتحدة، وسنقاطع كلَّ مصارف العالَم غير الاسلامي، وسنصُكّ عٌملة إسلامية موَحَدة وموَحِدة فى مطابع صنعها المؤمنون، وليس عليها صور نساء، ولا يمسّها إلا المطهرون.
س. ماذا لو رفضتْ دول العالم زيارة الخليفة، وأصدرتْ محكمة الجنايات الدولية أمراً بمطاردته، حتى لو كانت التهمة ملَفَقة، وهل سيحل محل رجب طيب أردوغان؟
ج. الخليفة لا يُسافر لكن زعماء العالم يأتون إليه صاغرين، وينتظرون علىَ بابه حتى يأذن لهم، ويطلب منهم اعتناقَ الاسلام كما فعل العقيد الليبى مع الفتيات الايطاليات الجميلات.
س. وماذا إذا رفض ملكٌ أو أميرٌ أو زعيمٌ عربى أو اسلامى أوامرَ الخليفة؟
ج. نرسل إليه من يجبره على الطاعة، ويمر جيشُ الخليفة عبر الصحراء، ويخوض لجّة البحر، فيهزم جيشَ الزعيم العاصي!
س. ما رأيك فى مليونية اللحية، ومليونية المنقبات؟
ج. هذه بداية مُفرحة للمؤمنين، وستعقبها جمعات كثيرة، فلدينا خطط لمليونية الحث على الزواج بأكثر من واحدة، ومليونية مقاطعة العلمانيين والملحدين واليساريين والشيوعيين، ومليونية تحريم كشف الوجه للمرأة، ومليونية فصل النساء عن الرجال فى الشارع، أى أن الرجل يسير على الرصيف الأيمن والمرأة على الرصيف الأيسر!
س. مهلا سيدنا الشيخ، فماذا يفعل الرجل القاطن فى بيت على الجانب الأيسر؟
ج. عليه أن يدور حول البيت من الجانب الآخر، أو ينتقل فورا إلى بيت فى الجانب الأيمن، هل هذه معضلة أيها العلمانيون الأغبياء؟
نسيت أيضا أن هناك مليونية تطالب باحراق كتب الفلسفة وعلوم الجينات، ومليونية لتحريم كشف الطبيب الرجل على المرأة حتى لو كان بمفرده فى المستشفى، ومليونية لمنع أغنية انت عمرى لأم كلثوم لأنها تقول: بعيد .. بعيد وحدينا، ع الحب تصحى أيامنا، ع الشوق تنام ليالينا، وهنا الخلوة الحرام.
س. وماذا عن الآلات الموسيقية أى معازف الشيطان؟
ج. سنقوم بتدميرها، ونعمم الدف الشرعي، فالشيطان يعزف كونسرتو بيتهوفن الخامس، وهو، لـَعَنَه اللهُ، يستمتع بالمقدمة الموسيقية لقصيدة ذكريات، ويعجبه صوت أسمهان، ورقّة أمال ماهر، ويطرب لصوت هدى سلطان، وتزيد وسوستُه للناس بعدما ينصت إلىَ همسة حائرة و دعاء الشرق و مصر التى فى خاطرى و الوطن الأكبر!
س. هل سيوافق المجتمع الدولى على دولة الخلافة، والمجتمع الذى تنشدونه؟
ج. أنتم ضِعاف ككل العلمانيين، فخليفتُنا قادر على الوصول بترسانة الأسلحة المؤمنة إلى كل بقاع الدنيا، ونحن لسنا بحاجة إليهم، وسنصنع سيارات، وقطارات، وقضبانا حديدية، وصواريخ، وقنابل نووية، وسنثبت للعالم فى رحلة فضائية بأن الأرض مسطحة، وأن الكفار ضحكوا علينا.
س. هل سيعالَج المسلم على حساب بيت المال فى بلاد غير المسلمين؟
ج. إذا كان شيخا فاضلا ومن جماعتنا فيمكنه أن يسافر شريطة أن لا يصافح الممرضة الأوروبية، ويعالجه الكفار لكن لا يرد التحية عليهم، أما باقى عموم المسلمين فيقبلون بقضاء الله وقدره.
س. وماذا عن النقد، سيدنا الشيخ؟
ج. نقبل النصيحة من الرجال الصالحين، أما النقد فهو تهكم على الاسلام، وهو استهانة بمكانة الفقهاء والعلماء وأولى الأمر، وأى شخص يكتب مقالا مدعيّاً أنه يستند إلى العقل والمنطق والموضوعية وينتقد نظام الحـُكم أو أمير المؤمنين أو المرشد الروحى أو شيوخ الفضائيات أو حتى قُرّاء الكفّ والفَلك وصانعى التعويذات ومُطـْلقى الأبخرة فلن يرحمه مسرور السيّاف!
س. ماذا نفعل، سيدنا الشيخ، حتى لا يتم اتهامنا بمعاداة ديننا؟
ج. عليكم الطاعة وعلينا الأمر، عليكم الصمت وعلينا الكلام، عليكم الخضوع وعلينا أن نقطع أيديكم وأرجلكم عندما نصل إلى الحُكم.
س. وماذا عن دخل البلد من السياحة والضرائب وتحويلات المواطنين من الخارج؟
ج. فيما يتعلق بالسياحة فنحن لسنا فى حاجة لمليارات من هذه الصناعة الفاجرة، وأما الضرائب فيمكن أن نستبدل بها أموال الزكاة فالأولى ستُدرّ علينا أموالا نحتاجها لبناء الدولة لكن فيها شبهة الحرام، وأما الثانية فستأتينا بأقل القليل، لكنها أموال مباركة.
س. سيدنا الشيخ: لماذا لا تتحصلون على هذه و .. تلك؟
ج. لأن العلمانيين من أمثالك لا يفهمون عبقرية فكرنا القائم على كتب مضتْ عليها مئات الأعوام ولاتزال قادرة على بعث الأمة من جديد!
س. النقد مرة أخرى، سيدنا الشيخ الفاضل، وكيف لى أن أشارك فى الهم الوطني؟
ج. هذه خزعبلات فليست هناك هموم وطنية أو قومية، إنما هناك مشاكل فى الدولة الاسلامية ونحن نملك حلها بفضل علم وبركة وفقه رجالنا.
ثم إننا لن نسمح بكل الوثنيات، فتقبيل العَلَم حرام، والنشيد الوطنى آثمٌ، وموسيقىَ الجيش بدعة، ولابد من تحطيم التماثيل فى الميادين، واعتبار المتحف المصرى مكان لتجمع الأصنام، والتحنيط كان تحدياً لارادة السماء فينبغى التخلص من بقايا قُدماءِ المصريين، والسينما من الموبقات، والأوبرا إثمُها أعظم من نفعِها، والفرقةُ القومية وفرقة البحيرة وفرقة أم كلثوم وغيرها يجب تفكيكها، فهى اختلاط مُحَرَّم مع معازف الشيطان.
س. لكننى خائفٌ منكم فإذا توليتم أمورَ العِباد فقد حجبتم علىَ العقل، أليس كذلك؟
ج. لا، ليس كذلك! فنحن سنسمح لك بالتفكير فى حدود الشرع، وأن تنصح فى صمت، وأن لا تنتقد رمزاً دينيا، وأن تطيع ولاة أمورك، وأنْ تبتعد عن شـُبهةِ التعامل مع العلمانيين واليساريين، وأن تقرأ فيما يفيد من كتب القرون الثلاثة الأولى الهجرية.
س. وماذا عن السجون والمعتقلات والتـُهم الموجهة إلىَ مخالفيكم؟
ج. مادام المسلمُ مطيعاً، ويؤدى الصلوات فى أقرب مسجد، ولا يتحدث بسوء أدب عن العلماء، ولا يختلط بامرأة، ولا يؤذى مشاعرَ الآخرين فى المطار وهو يستقبل شقيقته أو أمَّه أو احدى قريباته بالأحضان، ولا يسخر من اللحية، ولا يعترض على النقاب، ولا يطالب بتغيير فضيلة المرشد الروحي، فمن اختاره اللهُ لا يغيرّه البشر، فأنا أعدُك أن لا نلقى به فى السجن كالكلاب.
س. هل هناك كارنيه عضوية للجماعة الاسلامية أو التجمع أو الهيئة أو المؤسسة لتعرفوا العدوَّ من الصديق؟
ج. الأمر ليس كذلك، فيكفى هوية المسلم أو المسلمة فى المظهر الخارجي، أى اللحية والنقاب والجلباب بطوله الشرعى والبسملة والدعاء فى كل جملة: جزاء الله خيرا، أما ما لا نراه مثل الكذب والتحايل والغش والفساد والجهل والأمية والتعامل الفظ فى البيت واهمال تربية الأولاد وظلم الزوجة وغيرها من آلاف الأشياء التى تتجمع فى سلوك الإنسان المتمدن والمتحضر والمثقف والفاعل فى المجتمع، فهذه سابقة لأوانها، وليست من أولوياتنا.
س. ولكن كثيرين منكم، سيدنا الشيخ، شتـّامون، وبذّائون، ولاعنون لمخالفيكم، وتتهمون من ينتقدكم بكل الموبقات، وأنت تعرف تماما فى الانترنيت والفيسبوك والمنتديات والمواقع المختلفة وفى الفضائيات وفى كل الحوارات، بل وحتى فى المحاكم خلال رفع دعاوى ضد مخالفيكم، تكون ألسنتكم حِدْاداً، وسليطة، وفظـّة، وكاذبة، فما هو تفسيرك؟
ج. لأننا نريد أن نُطـَهّر العالـَم من دنسِكم، ونُخَلّص الدنيا من نجسكم، ونحمى الاسلام والمسلمين من أفكاركم الداعرة، والملحدة، والكارهة لديننا الحنيف.
س. ولكننى مسلم مثلك، وعلاقتى بالله، عز وجل، علاقة جيدة ، ومؤمن بديني، ومتسامح مع الآخرين، وصادق مع نفسى وعائلتى وأصدقائي، وعاشق لبلدي، ومناهض لكل مستبد يحكمها، ولا أزايد أو أتملق أو أنافق أو أزعم أننى أفضل من غيري!
ج. هذا كله لا يساوى مثقال حبة فى ميزاننا عندما نحكُم، فمقاييسنا تختلف عن معايير كل العلمانيين أمثالك، ونحن ممثلو السماء على الأرض، ونملك صكوك الغفران ولو أطلقنا عليها أسماء أخرى، ونستطيع تكفير أى كاتب أو إعلامى أو مفكر أو معارض لنا.
بامكان أقل أعضاء جمعيتنا وجماعتنا عِلْماً ومعرفة أن يتهمك بأنك تُنكر السُنّة أو تخالف تعاليمَ القرآن الكريم أو تسخر من العُلماء أو تحمل كراهيةً لُحكم الشريعة أو أنك منحاز للغرب والفكر المنحل أو أنك تتعاطف مع إسرائيل حتى لو كنتَ مقاطعا للدولة العبرية من مهدك إلى لحدك!
الثورة لكم، والمستقبل لنا. نحن نتراجع عن ثوريتكم الجيفارية، فإذا اقتربتم من النصر، هرولنا إلى الساحات نزعم أن نجاحَكم بفضلنا.
إن اللهَّ مُنحاز إلينا فى الدنيا والآخرة، وحتى فريقنا الكروى هو فريق الساجدين ولو تسللت من بين يدى حارس مرماه سبعون كرة من فريق غير مؤمن.
أنا استطع أن استخرج من أى مقال أمامى مئة دليل على أن صاحبه يكره شرع الله ولو كانت كل كلمة فى المقال تؤكد يقين وإيمان كاتبه بالاسلام الحنيف.
أنا ألعن زعيم حزبك أو تجمعك أو نهجك ولا غبار على ما أقول، وأنت تمس شعرة واحدة من لحية أحدنا فيتبارى مئة مُطيع لأميرنا الروحى لضرب لسانـِك بالسيف، وقطع أصابع كل يَدٍ تنتقد منهجَنا الرباني.
أنا أحاسبك على النيّات، وأقرأ ما بين السطور وما خلفها، وأفسّر ما لم تُبح به وفقاً لهواي، فتأتيك اللعنات من كل فجٍّ عميق.
نحن نصمت على حُكم الطغاة، فإذا سقط أحدهم سرقنا الثورةَ لصالحنا، وإذا فشل اليساريون والشباب المتمرد والعلمانيون ودعاة الديمقراطية وحقوق الانسان، قلنا بأن طاعة ولى الأمر واجبة.
انظر إلى كل الوجوه أو أكثرها، من المحسوبين علينا، التى تستضيفها الفضائيات العربية، واقرأ تاريخَها جيداً، فستعثر علىَ عهد بالصمت مقابل سلامة الجماعة من قبضة الطاغية، ومع ذلك فلم يمرّ يوم واحد دون أن يُلقى بنا إلى غيابات السجن.
أما المساواة بين الناس المختلفين فى الدين، وبين المرأة والرجل، وبين الغنى الذى يؤدى مناسك الحج فى فندق فاخر وأخيه الذى لا تدخل جوفَه لقمةٌ ليومين أو أكثر ، فهذه أمور غير ذى أهمية.
علومُنا، ايها الأحمق العلماني، ليست علوما كافرة من الغرب أو من وراء البحار، فهى منهاج حُكم سار عليه الأولون، ونحن سنقوم ببعثها بدءاً من أهمية السواك إلى وجود الخليفة بدلا من جنرالات تركيا العلمانيين، وسنبارك الثورات بعد نجاحها، وسنلعنها إذا فشلت لئلا يغضب علينا الطغاة من ولاة أمورنا.
انتظر حتى يصبح مرشدُنا الروحى وأمير جماعتنا وشيخ طريقتنا سيد القصر، وآنئذ لن تستطع أن تفكر برهة واحدة فى طرح أسئلتك، فمسرور السياف سيكون على استعداد لانجاز عمله بمهارة فائقة الدقة، وفوق ذلك سيكسب ثواب الدنيا والآخرة و .. ورضا الجماعة!


رسالة من بلطجى إلى المصريين

بعضُ الوظائف تحتاج إلى شهادات كانت معلقة على الحائط، أو مخبئة فى الأدراج!
وبعض الوظائف تشترط خبرة لا تقل عن عدد معين من السنوات، لكن وظيفتى تلك تستمد شرعيتها من قلب صخرى لا يلين ولو قرأت على صاحبه كل الكتب السماوية، ويومياتى مليئة بالكراهية، فأنا أكره نفسي، وأهلي، وجيراني، وأبناء وطني، والكون كله.
هل رأيتم صورة لى وأنا أتصدى لمتظاهرين مسالمين خلال انتخابات البرلمان المصرى وقد أمدتنى الشرطة بعصا مطاطية أو سلاح أبيض أو مطواة قرن غزال؟
صدر مفتوح، وعضلات مفتولة، ووجه ماتت خلاياه فبقى منه الجزء الصلد الخارجة منه عينان تمطران الخصوم بشرر لا يبقى ولا يذر.
إننى أنافس الكلاب شراسة، والذئاب افتراساً، والضباع غدراً، وأتلقى التوجيهات فأقوم بتنفيذها قبل أن ينتهى سيدى من القائها على مسامعي.
هل رأيتمونى فى موقعة الجمل؟
عشرات الآلاف من الصور التى تم التقاطها لى ولزملاء المهنة، وتم نشرها، وتوزيعها، وحفظ ملايين المصريين أشكالنا، وألواننا، وتعبيرات وجوهنا الصماء، وأذرعنا التى تنتهى بأصابع قـُدَّتْ من قرون الشياطين، ومع ذلك فأنا فى حماية كاملة من قوى، معروفة أو مجهولة، بل إننى أشعر أنه لا يوجد مصرى يأمن على حياته مثل البلطجي.
لا أسدد ضرائب على مرتبي، ولا تعرف لجنة الكسب غير المشروع مصادر دخلي، ولا أحد فى الدولة يرصد ما يدخل جيبى وما يخرج منه، فقد يأتينى رزقى بمكالمة تليفونية من وراء القضبان فى معتقل طرة، أو من سياسى كبير أو رجل حزبى جابت شهرته، سابقا، مصر كلها من نيلها إلى بحرها.
كل كبار رجال الدولة يعرفوننى حق المعرفة، ولو أراد أحدهم أن ينهى عصر عضلاتي، وأن يحرر الشارع من قبضتى فسيقف فى وجهه من هو أكبر منه، فأنا هنا سيد الحارة تماما كما كانت السينما تصور الفتوة حاملا نبّوتـَه فلا يرتفع صوت فوق صوته، ولا تحملق عيون فى وجهه.
لكننى أيضا أختفى خلف وجوه لا حصر لها، وأتسلل لأجساد فأتلبسها كما يتلبس الجان جسد مريض يقف مرتعشاً أمام مشعوذ يزعم أنه يأمرنى بالخروج فى غرفته المعبئة بأبخرة ملونة، فأنا، مثلا، قد أكون وزيرا أو محافظاً أو رئيس حزب أو أمير جماعة أو مدير تحرير صحيفة أو ضابط أمن أو رجل أعمال أو مفتياً فضائيا تخرج من بين شفتيه فتاوى قتل وتكفير تكفى لاحراق وطنه بكل من يمشى على أرضه.
وأنا قد أكون زعيم بلد أو سكرتير رئيس الجمهورية أو رئيس قسم اخبارى بقناة تلفزيونية أو مؤسساً لحزب جديد سيقلب الوطن عاليه سافله.
وأنا قد أكون عدالة بطيئة تمنح الفرصة للمجرمين أن يقوموا بتسوية أمورهم، والفرصة للزمن أن يتولى مهمة اشغال الناس بهموم أخرى تنسيهم كبار المطلوبين للعدالة.
أنا بلطجى وقاتل ومن اصحاب السوابق وملفى فى الداخلية مليء بالادانات المعلقة فى رقبتى حتى أظل كلباً لأسيادي، وينبغى أن أعترف لكم بأننى أعمل أوفرتايم بعد الثورة، فأرباب الثورة المضادة يكرموننى بسخاء، ويعطوننى ما يزيد عن حاجتي، ويتولون حمايتى مهما بلغت درجة القسوة فى بطشى بخصوم أسيادي.
لا تصدقوا من يزعم أنه لا يعرفني، وإذا أراد صاحب السلطة اعتقالنا جميعا، وتنظيف الشارع من تواجدنا فلن يستغرق الأمر يوماً أو بعض يوم، لكن تحرير مصر من براثننا ليست متوفرة لدى أحد ممن يتولوّن أمور البلاد والعباد.
لا أخفى عليكم أننا على استعداد تام لاشعال مصر كلها من صعيدها إلى ثغرها، ونحن إذا تلقينا التوجيهات بذبح شباب الثورة فسنأتيهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم، وسنجعل جمعاتهم الصيفية جمرات من نار، فقد تجاوزوا حدودهم، وهم يطالبون بمحاكمة مبارك وعائلته، ويبحثون عن كيفية استرداد أموالكم، ويريدون القضاء على كل مخلفات العهد البائد، لكن اللعب مع الكبار له ثمن، والحيتان مربوطة خياشيمها ببعضها حتى إذا غرق أحدها تداعى له الآخرون فى القاع.
أنا بلطجى لكننى سيد عليكم طالما كان أى نظام قائم يتنفس برئتى الرئيس المخلوع، ولا تغرنكم ملابسى ومظهرى الخارجى فأنا قد أرتدى ملابس رثة أو قميصا مفتوح الصدر كلاعبى الكاراتيه أو يونيفورماً أبيضاً أو أسوداً أو .. كاكياً تتراقص فوق أكتافى نجوم ونسور وتزين صدرى نياشين كتلك التى يرتديها جنرالات الساحة الحمراء فى الكرملين.
أنا أمير الثورة المضادة، وأنا روح مبارك وشلة طرة، عدو المصريين البديل عن عدو المصريين فى جناحه الفاخر بمستشفى شرم الشيخ.
كلهم يعرفوننى كما يعرفون أصابع أيديهم، لكن مصلحتهم فى بقائى أكبر من مصلحتهم فى رضا الشعب عنهم.
انتظرونى يوم الثامن من يوليو فأنا متعطش للدماء، وربما تقوم القوى الدينية إياها بالدعاء فى صلاة تهجد أن ينصر الله البلطجية على شباب الثورة، فكل الأشياء قابلة للتبرير، وإذا زعم إبليس أنه مبعوث العناية السماوية فلا ريب فى أن هناك من سيصدقه.
أيها المصريون،
أنا سيدكم لأن روح مبارك لا تزال تعطى توجيهاته لأركان نظامه، فالبلطجة تكليف وتشريف فى آن واحد، وبطشى هذه المرة لن يكون هيناً مثل يوم الخيل والبغال والحمير، لكنه سيكون يوم تتعلمون أن البلطجة هى صناعة الطاغية التى لا تموت بموته.
تنتظرونى بقوة إيمانكم بعظمة وإخلاص وحنكة وذكاء شباب الثورة، وأنا أنتظر بدهاء ومال وسطوة وَرَثة الرئيس المخلوع، أليس 8 يوليو بقريب؟
اثنان يرقصان فى السودان: الأول مع عصاه التى يهشُّ بها على شعبه فتتجرأ مليشياته فى دارفور، والثانى فوق شجرة مُمْسِكاً بحبة جوز الهند!
الأول مجنون، والثانى ميمون!
الأول يضحك علىَ من يجرى خلفهم، والثانى يسخر ممن يحاولون اللحاق به.
الأول يصنع وحوشاً للغابة، والثانى يهرب من وحوش الغابة!
سَلّةُ العالم العربى التى لو لم يحكمها دراكيولان، نميرى والبشير، واستثمر فيها العربُ أموالهم، لأسقانا الله فى عالمنا العربى ماء غدقاً، ولتحوَّلت مُدن كثيرة إلى جنات ولو لم تجر من تحتها الأنهار!
أيها الطيبون السُمْر الذين انشطروا نصفين بسبب ظلم طاغيتكم اللعين، فاختار أشقاؤكم الأكثر سمرة ولـَمعاناً الحرية فى أحدث دولة أفريقية حتى لو لم تكن بها أى مقومات للدولة الحديثة أو البدائية، لماذا تصبرون على الظلم رغم أن رياح الانعتاق مرَّت عليكم بعكس مَجرىَ النيل، فالمفترض أن من يشهق فى القاهرة، يزفر أخوه فى الخرطوم. ومن يرتشف منكم رشفةً من النيل وهو يمر عليكم، تأتى حلاوته على لسان مصرى ينتهى النهر الخالد فى أحضانه.
ألم يؤثر فيكم بعد ميدان التحرير القاهري؟
هل تنتظرون أن يمزق البشير دولتكم مثنى وثلاث ورباع، ثم ينشر بيوت الأشباح فى كل شبر من أرض السودان الطاهر .. الجميل؟
جرائم بشيركم لا تقل عن جرائم مبارك وبن على والأسد ومجنون ليبيا ومهبول اليمن، فهل تنتظرون فيضان النيل ليقنعكم بأهمية الغضب، أم أن جُرح انفصال الجنوب بنسبة حقيقية رغم أنها تماثل نتائج انتخابات زعمائنا قد أخافكم، وأزعجكم، وتراجعت الثقة بالإنسان السودانى الذى لا تعنى طيبته ضعفا أو خنوعا أو استكانة؟
هل نرسل إليكم ثوارا من تونس ومصر والأردن والبحرين واليمن و .. قلب العروبة النابض، أم أن الهدوء السودانى الحليم هو مقدمة لثورة ستفاجئ العالم كله، وستجعل مُشاهدى القنوات الفضائية المدمنين على الحملقة فى ثورةٍ إثْر الأخرى، يفغرون أفواههم أمام ثورة الشباب السودانى العظيم؟
أيها السودانيون الأبطال،
لا أستطيع صبراً، وأريد أن أبعث إليكم تهنئةً لعلها تصلكم فى موعد سَحْلِ العقيد فى شوارع طرابلس، وحَبْس الشاويش مع حزمة قات فى أحد سجون تعز أو عدن أو أبين أو صنعاء، وانتهاء عصر الأسد وحزب البعث العربى الاشتراكي، فرع دمشق!
فى درج مكتبى تهنئة مؤجلة لشباب الجزائر فهم أصحاب الحق فى ثورة كان ينبغى أن تسبق ثورة شعبنا التونسى العظيم، فالجزائريون دفعوا أكبر ثمن فى التاريخ الحديث، وأرواح شهدائهم تحلق فوق كل شبر من أرض جزائر التحرير والاستقلال.
ثورة شباب الجزائر ينبغى أن تتعلم من كل الثورات الشبابية التى سبقتها، وهى لا ريب قادمة كما تشرق الشمس كل صباح، وستكتسح كل القوى التى تلوثت أياديها بدماء الأبرياء فى حرب الطمع السلطوى الذى تنافس على كرسى العرش فيه رافعو المصحف، وحاملو النياشين المزيفة والتى لا صلة لها من قريب أو من بعيد ببطولات قادة التحرير.
أيها السودانيون الطيبون،
منذ أن قام بانقلابه العسكرى فى يونيو عام 1989 وهذا السفاح الأشر يحكم قبضته على رقابكم، وكأن تخديرا سَرىَ فى الأجساد فلم تعد قادرة على التحرك أو التململ أو الانتفاض، وتلك لعمرى أشد صور المهانة عمقا، وذِلة، وضعفاً!
كنت أتوقع أن تتوجهوا جميعا بُعَيّد انفصال الجنوب إلى القصر الرئاسي، وتقوموا بسحب طاغيتكم من قفاه، فمحاكمته بأيديكم وأمام عدالة القضاء السودانى أشرف لكم من مثوله أمام محكمة الجنايات فى لاهاي.
هل أحدثكم عن جرائمه، وفساده، وتآمره عليكم، وتسهيله انفصال جنوبكم عن الوطن الأم؟
هل أحدثكم عن آلاف من حالات التعذيب، والانتهاكات، والاغتصاب فى بيوت الأشباح السودانية التى لو تناهت لأسماع الشياطين لأشفقت عليكم؟
هل أحدثكم عن استغلاله الدين، وتحالفاته التُرابية حينا، ومع بن لادن، وكارلوس وصدام حسين أحيانا أخرى؟
هل أحدثكم عن السلب والنهب والابادة الجماعية وتصفية الخصوم، ومن يدرى فقد تأتى المفاجأة فى معرفة القاتل الحقيقى لجون جارانج؟
أيها السودانيون الشرفاء،
شعوب الوطن العربى الثائرة ليست أقل منكم، وطواغيتها يقفون فى نفس الصف السادى الدموى لبشيركم المستبد، فاتقوا الله فى وطنكم، وارفعوا شعار العرب من المحيط إلى الخليج الشعب يريد اسقاط النظام .
نريد أن نبتهج غبطة وسعادة ونحن نرى وجوها لوَّحتها شمس السودان الحارقة، وهى تهتف من حناجر تشتعل غيظا، وغضبا على طاغية من نسل الشياطين.
مشهد الثورات العربية بدون السودانيين ناقص، فإذا خرج الجزائريون فالفرح فرحان، أما لو اكتشف الفلسطينيون أن قياداتهم الوطنية تتساوى فى الإضرار بالقضية الفلسطينية مع أعدائهم الصهاينة فلن يكتمل قمران قبل أن ينتفض أصحاب قضية العرب لستين عاما، ويزيحوا كل القادة، بدون استثناء، فى الضفة وغزة والمهجر والغربة، فكلهم نتنياهو حتى لو برزت زبيبة الصلاة فى غزة، وتأنقت ربطة العنق فى رام الله.
أيها السودانيون،
لا تتأخروا علينا، فساحات التغيير فى الوطن الكبير تبحث عنكم، وثورة شبابكم استنشقت رحيق ثورات تونس والقاهرة ودمشق وصنعاء وعَمَّان ولم يبق إلا خروج الشجعان، وسيقوم البشير بتقبيل أقدامكم قبل أن تقذفوا به لتماسيح النيل.
لقد مضى زمن طويل لم تثلج صدورَنا فيه أخبارٌ سارة من السودان، فاجعلونا نفرح بكم، وفى الوقت الراهن فإن أقصى لحظات الفرح والسعادة والنشوة هى التى يحتشد فيها صانعو المستقبل من شباب الوطن وقد قرروا طرد الروح الشريرة من القصر أملا فى أن يعم الخير والهناء والسلام والأمن على الوطن الحر.
أيها السودانيون الأبرار،
انتفضوا، وثوروا، وتمردوا، والحقوا بركب الأحرار ، واسحقوا أعداء الشعب، وانزعوا عنكم أى آثار لمسكنة أو ضعف أو خنوع.
الأرض الطيبة تنتظر بصبر نافد هدير الجماهير السودانية وهى تهزّ عرش الديكتاتور عمر حسن البشير وبطانته، وكلابه، وقاطعى الطرق الذين استباحوا دماءكم، وأعراضكم، ونساءكم، وجعلوا السودان سودانين قبل أن يمزقوه إرباً و .. قِطعاً، وعدة دويلات صغيرة لا تنهض بحياة، فتعود لتصبح قبائل أفريقية متناثرة.
ثوروا حتى يرحمكم الله فى الدنيا والآخرة، فالثورة على الطغيان هى الصلاة الوحيدة التى يقبلها الله من الحُرِّ قبل أن يرتد إليه طرفه.
وسلام الله على السودان.

نهاية الطاغية البلياتشو

خمسة من الطواغيت نشرت عنهم وقائع محاكمة .. وهم مبارك وبن على وبوتفليقة والبشير والعقيد، وشاهدت الأول على الشاشة الصغيرة راقداً على فراش خلف قفص يحميه ولداه من فضول الكاميرا، أما الثانى فحاكـَمـَهُ شعبه غيابياً بعد الهروب المذل والمخزي، فطواغيتـُنا لم يكونوا فرساناً فى يوم من الأيام، إنما هم فئرانٌ تختبيء تحت جلود ذئاب، وأرانب تبدو كأنها ضـِباع.
والثالث فى حماية العسكر، فأهالى المفقودين فى جزائر الشهداء لن يهنأ لهم جفنٌ قبل أن يحاكموه على جريمة التستر، وجرائم الفساد التى دنـَّست أرض المليون ونصف المليون شهيد.
والرابع مطلوب للعدالة الدولية، ومحكمة مُجرمى الحرب، ولولا أنْ أسبغ عليه المزايدون، تـُرابياً، حماية دينية مزيفة لكانت أمهات الفتيات اللائى تم اغتصابهن على حواف بحيرات دارفور قد أكلن كبده، وشربن دمـَه، وعلـَّقن ما بقى من جثته علىَ جذع شجرة قديمة لا تستظل بها إلا الحيوانات المفترسة.
وأما الخامس فلم تنجب صحراء ليبيا شيطاناً مثله، ولعلى لا أبالغ إنْ قلت بأن إبليس لو تجسد رجلا ووقف بجانبه لكان أكثر وداعة، ولطفاً، وَرِقـَّة، وسماحة!
فى 21 فبراير من هذا العام كتبت وأخيرا سيسحل الليبيون الطاغية المهرج، وطال انتظارى لتهنئة الليبيين، لكننى لم أفقد الأمل لحظة واحدة فى أن شعبـَنا الذى صمت على تهريج المستبد أكثر من أربعة عقود لن ينهزم بعدما عرف أن فيه روح عمر المختار، وأن السوط لا يـُلهب ظهراً معتدلا لمواطن يرى أن قيمته من كرامتـِه، وأن كرامتـَه من قدرتـِه على الغضبِ، وأن غضبـَه يُمثل أرقىَ مشاعر الحرية.
الحُلم يمثل خيالا فى النوم، أما أحلامى فى سقوط الطغاة فهى عين اليقظة، وهى تنتقل بى فى دقائق معدودة بين قصور الطغاة وخيامـِهم فى عالمنا العربى الممتد من الزنزانة إلى الزنزانة، فإذا رأيتُ قفصاً يقف فيه مستبد تداعىَ له قفص آخر ينام فيه طاغية، وإذا شاهدتُ قاضياً ينادى على ديكتاتور، لمحت على الفور سفـّاحاً آخر يُخفض رأسه خجلا أمام جماهير تلعنه علناً بعدما أفرغت كل ما فى جعبتها من لعنات سـِراً و.. بين جدران أربعة.
أستعيد من ذاكرتى يوم أنْ قال سفير ليبيا فى الدانمرك لصديق عزيز بأن محمد عبد المجيد كان محظوظا فى العام الذى سبقه، فقد دعوناه لزيارة الجماهيرية بحجة لقاء الأخ العقيد ولم يُلـَب الدعوةَ، وكان الهدف أن نشد أذنه يقصد تصفيتى ، ومنذ ذلك الحين ولأكثر من خمس عشرة سنة جعلت قلمى فى عين سفاح ليبيا المهرج، فكتبت فلسفة التخلف فى فكر العقيد و عبقرية الحماقة لدى العقيد ولماذا لا يُحاكـَم العقيد معمر القذافى و أمريكا تطبع قبلة على جبين العقيد و المخرب أم المخرف و العقيد يلقى دروسا فى الجنس و القول السديد فى بلاهة العقيد و وقائع محاكمة العقيد معمر القذافى و ولكن الليبيين سعداء بالعبودية و ماذا لو حقن العقيد الليبيين بالإيدز؟ و المراحيض فى خيمة العقيد و لماذا لا يبيع العقيد الليبيين؟ و التبكيت والتنكيت والتسكيت و .. التفتيت و برونتو .. العقيد فى ايطاليا و مقطع من يوميات معمر القذافى .. وغيرها الكثير.
ألم يهدد برزان التكريتى بتصفيتي؟
ألم يحاول صديق عزيز استدراجى لشد أذن آخر فى عهد مبارك بحجة استضافتى فى حديث تلفزيونى بالقاهرة، ثم اكتشفت أن لا وجود للبرنامج المزعوم؟
وللحق فقد غمرنى الليبيون برسائل محبة شحنت قلمى بمداد لا ينقطع، فمعركتُهم هى معركتى كأننى ليبى سقط من بطن أمه فى مصراتة أو زليطن أو

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق