الأحد، 30 أكتوبر 2011

محاولة لفهم وحشية الليبيين!

مئات المقالات خاضت في وصف وحشية الليبيين الثوار في التعامل مع طاغيتهم، فمنهم من رآه قصاصا عادلا، ومنهم من خجل من وحشية المنتصرين الذين قتلوا اسيرَ حرب أصبح بين أيديهم.
التبسيط والتسهيل والأحكام القاطعة الفورية أمور تتصادم تماماً مع العقل الذي من المفترض أن يكون ق
د اختزن من التجارب والعلوم والثقافة ما يسمح له أن يسلك طريقاً مختلفاً لوصف المشهد ( الوحشي) الذي آذى الكثيرين، وفرح به الكثيرون .. أيضا!
لكل فعل ردّ فعل يعادله في المقدار وقوة الدفع ، وهنا يصبح اللجوءُ إلى العقل أقل عقلانية من عواطف الجماهير التي تزيحه جانباً لتتصرف بعفوية وتلقائية تتناغم مع الموقف، فقوة ُفرحها تعادل قوةَ غضبها، وهي، أي الجماهير ، على استعداد في لحظات معينة من غليان عواطفها أن تسحل عدوها ( نوري السعيد في بغداد، وموسوليني في ميلانو)، أو تنخرط في حرب بين بلديهما بسبب مباراة كرة قدم مثلما حدث بين الهندوراس والسلفادور.
والقتل والسحل والتمثيل بالجثث ليست أكثر من فرصة تتاح للتعبير عن مشاعر الكراهية، لكن هناك مئات من نفس هذه الحالات لم تعرف طريقها إلا في أحلام اليقظة، ولو أن بشار الأسد خرج برفقة شقيقه ماهر لتحية المسالمين في درعا أو حمص ، فإن الجماهير السورية غير المسلحة ستفعل بهما مثلما فعل الثوار بعقيدهم الذي جثم على صدورهم لأكثر من أربعة عقود.
ولو تمكنت الجماهير اليمنية من الامساك بعلي عبد الله صالح فإن أكثرهم رقة ووداعة وطيبة سيمزقونه إرباً، ولن يبقى في جسده سنتيمتر واحد لم يغرز فيه يمني سيفه أو خنجره
ما حدث مع ديكتاتور ليبيا لا يتصادم مع الطبيعة في أي وجه من الوجوه، فالخيال قادر على استدعاء آلاف الصور لوحشية الطاغية في دقائق معدودة، والقتال المرير استغرق تسعة اشهر، وسقط عشرات الآلاف من الشهداء، وتم تدمير مدن بأكملها، وقيظ الصحراء مع عطش وغضب وارهاق يحدث اختلالات في أجهزة الجسد المنوط بها التحكم في العواطف والعقل والتفكير.
السلاح بين أيدي الثوار، وأكثرهم شباب، وليس من بينهم من لم يسقط له أخ أو أخت أو حبيب في العهد الأغبر للقائد الملهم المتعطش للدماء.
ثم فجأة تمسكه أيديهم المرتعشة ولا يصدقون أنفسهم، والخوف من أن يفلت منهم إلى سجن وقفص ومحاكمة وطعام ساخن ومحامين من كل الجنسيات حضروا للدفاع عنه جعل الأصابع في وضع الاستعداد للضغط على الزناد، فبينهم وبين قاتلهم ضغطة واحدة فإذا هم يتنفسون، أو يزفرون زفرة المحتفل بالنصر.
جماهير الأفراح كجماهير الأحزان، والعرس كالمأتم، ونفس عضلات الوجه هي التي تدفع إلى الغضب أو البهجة، والعقل لا يؤدي دوره في الزحام، وأنت لا تستطيع أن تشاهد مباراة حامية الوطيس لكرة القدم ثم تنظر إلى جارك البارزة عروقه من الصياح وتناقشه في مسرحية لشكسبير أو تسأله عن فيلم هل تحبين برامز؟
الثوار الليبيون كانوا رغم ذلك متحضرين فلم يمثـّلوا بجثته بعد تمزيقها قطعاً صغيرة، ولم يفصلوا رأسه عن جسده رغم أن مشاعر الغضب كانت قد تخطت مرحلة جمرات الحمم.
أما مشاهدة جسده في المشرحة أو في ثلاجة الطيور فهو حدث غير معتاد، واستنكره أكثر الناس كراهية لديكتاتور ليبيا، ولكن من كان قادرا على اقناع الليبيين أن عفريتهم مات، وأن المجلس الانتقالي لن يعلن أن شبيها بالقذافي هو الذي تم القبض عليه، فالطاغية تمكن من الهرب؟
خمسة أيام تحملنا فيها مشهداً غير إنساني في الظروف الطبيعية، لكنه مفهوم تماماً في هذا الظرف الاستثنائي جداً، وأنا هنا لا أكتب عن معارضتي أو موافقتي، إنما أحاول التسلل إلى صدور الثوار وجماهير شعبنا لقراءة ما خفى علينا.
كل الذين وقفوا في صف طويل لمشاهدة جثة تكاد تتعفن لم يكونوا متوحشين أو متخلفين، لكنهم أناس مثلنا جميعاً أرادوا فقط التأكد من أن العفريت لن يطاردهم في أحلامهم ويقظتهم مرة أخرى.
دعونا ننظر إلى الجانب الايجابي من تلك الوحشية الظاهرة، وندلف إلى كوابيس طاردت مساء يوم قتل الطاغية المهرج دراكيولات أخرى في اليمن وسوريا والسودان ورابعهم الباسط ذراعيه على صدره وهو راقد في محكمة لا يدري إلا الله إن كانت حقيقية أم مسرحية.
دعونا لا نصُبّ غضبنا على الذين عانوا ويلات حُكم المستبد البهلوان، فتصرفات وأفعال وتجاوزات الجماهير والثوار يمكن للذين يزعمون القدرة على وصف العدالة أن يتخيلوا أنفسهم مكان الثوار لتلك الدقائق المعدودة، وأحسب أن صوت العقل ربما سيكون منعدما تماما مقارنة بالصورة الوحشية المتحضرة لثوار ليبيا الأبطال.
ميزان العدالة السماوية والأرضية تم وضعه أمام المجروحين حتى النخاع للحظات، وهم لم يطففوا فيه، إنما الصدمة في الامساك بطاغيتهم هي التي أصدرت الحكم العادل أو الجائر، لكنه الطبيعي!
الفتاوى الصحيحة في الرد على العلمانية القبيحة
استباقاً لزمنٍ لمْ يأت بَْعد، واستشرافاً لعهدٍ يُطل جزءٌ منه علينا ، وبقعة تشاؤم في ظلِ تفاؤلي الشديدِ بالثورة المجيدة، والتلاحم الوطني الرائع، واثبات المصريين، خاصة الشباب، أنهم قادرون علىَ الأخذ بزمام القيادة لايصال مصر لبَرِّ الأمان، قررتُ أنْ أتخيل طرحَ أسئلة على أحد الذين انشقت الأرض عنهم فخرجوا علينا يقطفون ثمار ثورة 25 يناير، وأتخيل اجاباته وفتاواه، فجاء المشهدُ كالتالي:
س. التلفزيون حرامٌ شرعاً، والكاميرا والتصوير، ولكنك تطل علينا من الشاشة الصغيرة متحدثاً مع امرأةٍ كاسيةٍ عاريةٍ في خلوة، فكيف تبرر ذلك؟
ج. هذا هراءٌ لأنني لم أصافحها، ولم تقع عينايَ علىَ جسدِها وصدرها، فأنا أنظر إلى الأسفل حتى لا تقع فتنة.
وهناك رجالٌ ونساء في الاستديو، فهذه ليست خلوة!
س. لكنك لم تجب عن سؤالي: هل التصوير حلال لذوي الأرواح، ثم إن الكاميرا صناعة الكفار، وأنت تثير بلبلة بين المؤمنين، فكيف ترى الأمرَ، سيدنا الشيخ؟
ج. نعم، التصوير حرام إلا لشيوخ الفضائيات لأننا نجاهد عبر الأثير، أما كل صناعات الكُفّار العلمية فهي حلال لنا ما دمنا نستخدمها في الاستعداد لاعلان الخلافة.
س. عندما تعلنون، إن شاء الله، الخلافةَ من استانبول أو أنقرة أو قُمْ أو الكرخ او طشقند أو سمرقند، فهل سيأتي ملوك ورؤساء وأمراء العالميّن العربي والاسلامي لتقديم أوراق اعتمادهم للخليفة؟
ج. هذا صحيحٌ تماماً، وسننسحبُ من الأمم المتحدة، وسنقاطع كلَّ مصارف العالَم غير الاسلامي، وسنصُكّ عٌملة إسلامية موَحَدة وموَحِدة في مطابع صنعها المؤمنون، وليس عليها صور نساء، ولا يمسّها إلا المطهرون.
س. ماذا لو رفضتْ دول العالم زيارة الخليفة، وأصدرتْ محكمة الجنايات الدولية أمراً بمطاردته، حتى لو كانت التهمة ملَفَقة، وهل سيحل محل رجب طيب أردوغان؟
ج. الخليفة لا يُسافر لكن زعماء العالم يأتون إليه صاغرين، وينتظرون علىَ بابه حتى يأذن لهم، ويطلب منهم اعتناقَ الاسلام كما فعل العقيد الليبي مع الفتيات الايطاليات الجميلات.
س. وماذا إذا رفض ملكٌ أو أميرٌ أو زعيمٌ عربي أو اسلامي أوامرَ الخليفة؟
ج. نرسل إليه من يجبره على الطاعة، ويمر جيشُ الخليفة عبر الصحراء، ويخوض لجّة البحر، فيهزم جيشَ الزعيم العاصي!
س. ما رأيك في مليونية اللحية، ومليونية المنقبات؟
ج. هذه بداية مُفرحة للمؤمنين، وستعقبها جمعات كثيرة، فلدينا خطط لمليونية الحث على الزواج بأكثر من واحدة، ومليونية مقاطعة العلمانيين والملحدين واليساريين والشيوعيين، ومليونية تحريم كشف الوجه للمرأة، ومليونية فصل النساء عن الرجال في الشارع، أي أن الرجل يسير على الرصيف الأيمن والمرأة على الرصيف الأيسر!
س. مهلا سيدنا الشيخ، فماذا يفعل الرجل القاطن في بيت على الجانب الأيسر؟
ج. عليه أن يدور حول البيت من الجانب الآخر، أو ينتقل فورا إلى بيت في الجانب الأيمن، هل هذه معضلة أيها العلمانيون الأغبياء؟
نسيت أيضا أن هناك مليونية تطالب باحراق كتب الفلسفة وعلوم الجينات، ومليونية لتحريم كشف الطبيب الرجل على المرأة حتى لو كان بمفرده في المستشفى، ومليونية لمنع أغنية ( انت عمري ) لأم كلثوم لأنها تقول: بعيد .. بعيد وحدينا، ع الحب تصحى أيامنا، ع الشوق تنام ليالينا، وهنا الخلوة الحرام.
س. وماذا عن الآلات الموسيقية أي معازف الشيطان؟
ج. سنقوم بتدميرها، ونعمم الدف الشرعي، فالشيطان يعزف كونسرتو بيتهوفن الخامس، وهو، لـَعَنَه اللهُ، يستمتع بالمقدمة الموسيقية لقصيدة ( ذكريات)، ويعجبه صوت أسمهان، ورقّة أمال ماهر، ويطرب لصوت هدى سلطان، وتزيد وسوستُه للناس بعدما ينصت إلىَ همسة حائرة ) و ( دعاء الشرق ) و ( مصر التي في خاطري ) و ( الوطن الأكبر)!
س. هل سيوافق المجتمع الدولي على دولة الخلافة، والمجتمع الذي تنشدونه؟
ج. أنتم ضِعاف ككل العلمانيين، فخليفتُنا قادر على الوصول بترسانة الأسلحة المؤمنة إلى كل بقاع الدنيا، ونحن لسنا بحاجة إليهم، وسنصنع سيارات، وقطارات، وقضبانا حديدية، وصواريخ، وقنابل نووية، وسنثبت للعالم في رحلة فضائية بأن الأرض مسطحة، وأن الكفار ضحكوا علينا.
س. هل سيعالَج المسلم على حساب بيت المال في بلاد غير المسلمين؟
ج. إذا كان شيخا فاضلا ومن جماعتنا فيمكنه أن يسافر شريطة أن لا يصافح الممرضة الأوروبية، ويعالجه الكفار لكن لا يرد التحية عليهم، أما باقي عموم المسلمين فيقبلون بقضاء الله وقدره.
س. وماذا عن النقد، سيدنا الشيخ؟
ج. نقبل النصيحة من الرجال الصالحين، أما النقد فهو تهكم على الاسلام، وهو استهانة بمكانة الفقهاء والعلماء وأولي الأمر، وأي شخص يكتب مقالا مدعيّاً أنه يستند إلى العقل والمنطق والموضوعية وينتقد نظام الحـُكم أو أمير المؤمنين أو المرشد الروحي أو شيوخ الفضائيات أو حتى قُرّاء الكفّ والفَلك وصانعي التعويذات ومُطـْلقي الأبخرة فلن يرحمه مسرور السيّاف!
س. ماذا نفعل، سيدنا الشيخ، حتى لا يتم اتهامنا بمعاداة ديننا؟
ج. عليكم الطاعة وعلينا الأمر، عليكم الصمت وعلينا الكلام، عليكم الخضوع وعلينا أن نقطع أيديكم وأرجلكم عندما نصل إلى الحُكم.
س. وماذا عن دخل البلد من السياحة والضرائب وتحويلات المواطنين من الخارج؟
ج. فيما يتعلق بالسياحة فنحن لسنا في حاجة لمليارات من هذه الصناعة الفاجرة، وأما الضرائب فيمكن أن نستبدل بها أموال الزكاة فالأولى ستُدرّ علينا أموالا نحتاجها لبناء الدولة لكن فيها شبهة الحرام، وأما الثانية فستأتينا بأقل القليل، لكنها أموال مباركة.
س. سيدنا الشيخ: لماذا لا تتحصلون على هذه و .. تلك؟
ج. لأن العلمانيين من أمثالك لا يفهمون عبقرية فكرنا القائم على كتب مضتْ عليها مئات الأعوام ولاتزال قادرة على بعث الأمة من جديد!
س. النقد مرة أخرى، سيدنا الشيخ الفاضل، وكيف لي أن أشارك في الهم الوطني؟
ج. هذه خزعبلات فليست هناك هموم وطنية أو قومية، إنما هناك مشاكل في الدولة الاسلامية ونحن نملك حلها بفضل علم وبركة وفقه رجالنا.
ثم إننا لن نسمح بكل الوثنيات، فتقبيل العَلَم حرام، والنشيد الوطنيُّ آثمٌ، وموسيقىَ الجيش بدعة، ولابد من تحطيم التماثيل في الميادين، واعتبار المتحف المصري مكان لتجمع الأصنام، والتحنيط كان تحدياً لارادة السماء فينبغي التخلص من بقايا قُدماءِ المصريين، والسينما من الموبقات، والأوبرا إثمُها أعظم من نفعِها، والفرقةُ القومية وفرقة البحيرة وفرقة أم كلثوم وغيرها يجب تفكيكها، فهي اختلاط مُحَرَّم مع معازف الشيطان.
س. لكنني خائفٌ منكم فإذا توليتم أمورَ العِباد فقد حجبتم علىَ العقل، أليس كذلك؟
ج. لا، ليس كذلك! فنحن سنسمح لك بالتفكير في حدود الشرع، وأن تنصح في صمت، وأن لا تنتقد رمزاً دينيا، وأن تطيع ولاة أمورك، وأنْ تبتعد عن شـُبهةِ التعامل مع العلمانيين واليساريين، وأن تقرأ فيما يفيد من كتب القرون الثلاثة الأولى الهجرية.
س. وماذا عن السجون والمعتقلات والتـُهم الموجهة إلىَ مخالفيكم؟
ج. مادام المسلمُ مطيعاً، ويؤدي الصلوات في أقرب مسجد، ولا يتحدث بسوء أدب عن العلماء، ولا يختلط بامرأة، ولا يؤذي مشاعرَ الآخرين في المطار وهو يستقبل شقيقته أو أمَّه أو احدى قريباته بالأحضان، ولا يسخر من اللحية، ولا يعترض على النقاب، ولا يطالب بتغيير فضيلة المرشد الروحي، فمن اختاره اللهُ لا يغيرّه البشر، فأنا أعدُك أن لا نلقي به في السجن كالكلاب.
س. هل هناك كارنيه عضوية للجماعة الاسلامية أو التجمع أو الهيئة أو المؤسسة لتعرفوا العدوَّ من الصديق؟
ج. الأمر ليس كذلك، فيكفي هوية المسلم أو المسلمة في المظهر الخارجي، أي اللحية والنقاب والجلباب بطوله الشرعي والبسملة والدعاء في كل جملة: جزاء الله خيرا، أما ما لا نراه مثل الكذب والتحايل والغش والفساد والجهل والأمية والتعامل الفظ في البيت واهمال تربية الأولاد وظلم الزوجة وغيرها من آلاف الأشياء التي تتجمع في سلوك الإنسان المتمدن والمتحضر والمثقف والفاعل في المجتمع، فهذه سابقة لأوانها، وليست من أولوياتنا.
س. ولكن كثيرين منكم، سيدنا الشيخ، شتـّامون، وبذّائون، ولاعنون لمخالفيكم، وتتهمون من ينتقدكم بكل الموبقات، وأنت تعرف تماما في الانترنيت والفيسبوك والمنتديات والمواقع المختلفة وفي الفضائيات وفي كل الحوارات، بل وحتى في المحاكم خلال رفع دعاوى ضد مخالفيكم، تكون ألسنتكم حِدْاداً، وسليطة، وفظـّة، وكاذبة، فما هو تفسيرك؟
ج. لأننا نريد أن نُطـَهّر العالـَم من دنسِكم، ونُخَلّص الدنيا من نجسكم، ونحمي الاسلام والمسلمين من أفكاركم الداعرة، والملحدة، والكارهة لديننا الحنيف.
س. ولكنني مسلم مثلك، وعلاقتي بالله، عز وجل، علاقة جيدة ، ومؤمن بديني، ومتسامح مع الآخرين، وصادق مع نفسي وعائلتي وأصدقائي، وعاشق لبلدي، ومناهض لكل مستبد يحكمها، ولا أزايد أو أتملق أو أنافق أو أزعم أنني أفضل من غيري!
ج. هذا كله لا يساوي مثقال حبة في ميزاننا عندما نحكُم، فمقاييسنا تختلف عن معايير كل العلمانيين أمثالك، ونحن ممثلو السماء على الأرض، ونملك صكوك الغفران ولو أطلقنا عليها أسماء أخرى، ونستطيع تكفير أي كاتب أو إعلامي أو مفكر أو معارض لنا.
بامكان أقل أعضاء جمعيتنا وجماعتنا عِلْماً ومعرفة أن يتهمك بأنك تُنكر السُنّة أو تخالف تعاليمَ القرآن الكريم أو تسخر من العُلماء أو تحمل كراهيةً لُحكم الشريعة أو أنك منحاز للغرب والفكر المنحل أو أنك تتعاطف مع إسرائيل حتى لو كنتَ مقاطعا للدولة العبرية من مهدك إلى لحدك!
الثورة لكم، والمستقبل لنا. نحن نتراجع عن ثوريتكم الجيفارية، فإذا اقتربتم من النصر، هرولنا إلى الساحات نزعم أن نجاحَكم بفضلنا.
إن اللهَّ مُنحاز إلينا في الدنيا والآخرة، وحتى فريقنا الكروي هو فريق الساجدين ولو تسللت من بين يدي حارس مرماه سبعون كرة من فريق غير مؤمن.
أنا استطع أن استخرج من أي مقال أمامي مئة دليل على أن صاحبه يكره شرع الله ولو كانت كل كلمة في المقال تؤكد يقين وإيمان كاتبه بالاسلام الحنيف.
أنا ألعن زعيم حزبك أو تجمعك أو نهجك ولا غبار على ما أقول، وأنت تمس شعرة واحدة من لحية أحدنا فيتبارى مئة مُطيع لأميرنا الروحي لضرب لسانـِك بالسيف، وقطع أصابع كل يَدٍ تنتقد منهجَنا الرباني.
أنا أحاسبك على النيّات، وأقرأ ما بين السطور وما خلفها، وأفسّر ما لم تُبح به وفقاً لهواي، فتأتيك اللعنات من كل فجٍّ عميق.
نحن نصمت على حُكم الطغاة، فإذا سقط أحدهم سرقنا الثورةَ لصالحنا، وإذا فشل اليساريون والشباب المتمرد والعلمانيون ودعاة الديمقراطية وحقوق الانسان، قلنا بأن طاعة ولي الأمر واجبة.
انظر إلى كل الوجوه أو أكثرها، من المحسوبين علينا، التي تستضيفها الفضائيات العربية، واقرأ تاريخَها جيداً، فستعثر علىَ عهد بالصمت مقابل سلامة الجماعة من قبضة الطاغية، ومع ذلك فلم يمرّ يوم واحد دون أن يُلقي بنا إلى غيابات السجن.
أما المساواة بين الناس المختلفين في الدين، وبين المرأة والرجل، وبين الغني الذي يؤدي مناسك الحج في فندق فاخر وأخيه الذي لا تدخل جوفَه لقمةٌ ليومين أو أكثر ، فهذه أمور غير ذي أهمية.
علومُنا، ايها الأحمق العلماني، ليست علوما كافرة من الغرب أو من وراء البحار، فهي منهاج حُكم سار عليه الأولون، ونحن سنقوم ببعثها بدءاً من أهمية السواك إلى وجود الخليفة بدلا من جنرالات تركيا العلمانيين، وسنبارك الثورات بعد نجاحها، وسنلعنها إذا فشلت لئلا يغضب علينا الطغاة من ولاة أمورنا.
انتظر حتى يصبح مرشدُنا الروحي وأمير جماعتنا وشيخ طريقتنا سيد القصر، وآنئذ لن تستطع أن تفكر برهة واحدة في طرح أسئلتك، فمسرور السياف سيكون على استعداد لانجاز عمله بمهارة فائقة الدقة، وفوق ذلك سيكسب ثواب الدنيا والآخرة و .. ورضا الجماعة!
رسالة من بلطجي إلى المصريين
بعضُ الوظائف تحتاج إلى شهادات كانت معلقة على الحائط، أو مخبئة في الأدراج!
وبعض الوظائف تشترط خبرة لا تقل عن عدد معين من السنوات، لكن وظيفتي تلك تستمد شرعيتها من قلب صخري لا يلين ولو قرأت على صاحبه كل الكتب السماوية، ويومياتي مليئة بالكراهية، فأنا أكره نفسي، وأهلي، وجيراني، وأبناء وطني، والكون كله.
هل رأيتم صورة لي وأنا أتصدى لمتظاهرين مسالمين خلال انتخابات البرلمان المصري وقد أمدتني الشرطة بعصا مطاطية أو سلاح أبيض أو مطواة قرن غزال؟
صدر مفتوح، وعضلات مفتولة، ووجه ماتت خلاياه فبقي منه الجزء الصلد الخارجة منه عينان تمطران الخصوم بشرر لا يبقي ولا يذر.
إنني أنافس الكلاب شراسة، والذئاب افتراساً، والضباع غدراً، وأتلقى التوجيهات فأقوم بتنفيذها قبل أن ينتهي سيدي من القائها على مسامعي.
هل رأيتموني في موقعة الجمل؟
عشرات الآلاف من الصور التي تم التقاطها لي ولزملاء المهنة، وتم نشرها، وتوزيعها، وحفظ ملايين المصريين أشكالنا، وألواننا، وتعبيرات وجوهنا الصماء، وأذرعنا التي تنتهي بأصابع قـُدَّتْ من قرون الشياطين، ومع ذلك فأنا في حماية كاملة من قوى، معروفة أو مجهولة، بل إنني أشعر أنه لا يوجد مصري يأمن على حياته مثل البلطجي.
لا أسدد ضرائب على مرتبي، ولا تعرف لجنة الكسب غير المشروع مصادر دخلي، ولا أحد في الدولة يرصد ما يدخل جيبي وما يخرج منه، فقد يأتيني رزقي بمكالمة تليفونية من وراء القضبان في معتقل طرة، أو من سياسي كبير أو رجل حزبي جابت شهرته، سابقا، مصر كلها من نيلها إلى بحرها.
كل كبار رجال الدولة يعرفونني حق المعرفة، ولو أراد أحدهم أن ينهي عصر عضلاتي، وأن يحرر الشارع من قبضتي فسيقف في وجهه من هو أكبر منه، فأنا هنا سيد الحارة تماما كما كانت السينما تصور الفتوة حاملا نبّوتـَه فلا يرتفع صوت فوق صوته، ولا تحملق عيون في وجهه.
لكنني أيضا أختفي خلف وجوه لا حصر لها، وأتسلل لأجساد فأتلبسها كما يتلبس الجان جسد مريض يقف مرتعشاً أمام مشعوذ يزعم أنه يأمرني بالخروج في غرفته المعبئة بأبخرة ملونة، فأنا، مثلا، قد أكون وزيرا أو محافظاً أو رئيس حزب أو أمير جماعة أو مدير تحرير صحيفة أو ضابط أمن أو رجل أعمال أو مفتياً فضائيا تخرج من بين شفتيه فتاوى قتل وتكفير تكفي لاحراق وطنه بكل من يمشي على أرضه.
وأنا قد أكون زعيم بلد أو سكرتير رئيس الجمهورية أو رئيس قسم اخباري بقناة تلفزيونية أو مؤسساً لحزب جديد سيقلب الوطن عاليه سافله.
وأنا قد أكون عدالة بطيئة تمنح الفرصة للمجرمين أن يقوموا بتسوية أمورهم، والفرصة للزمن أن يتولى مهمة اشغال الناس بهموم أخرى تنسيهم كبار المطلوبين للعدالة.
أنا بلطجي وقاتل ومن اصحاب السوابق وملفي في الداخلية مليء بالادانات المعلقة في رقبتي حتى أظل كلباً لأسيادي، وينبغي أن أعترف لكم بأنني أعمل أوفرتايم بعد الثورة، فأرباب الثورة المضادة يكرمونني بسخاء، ويعطونني ما يزيد عن حاجتي، ويتولون حمايتي مهما بلغت درجة القسوة في بطشي بخصوم أسيادي.
لا تصدقوا من يزعم أنه لا يعرفني، وإذا أراد صاحب السلطة اعتقالنا جميعا، وتنظيف الشارع من تواجدنا فلن يستغرق الأمر يوماً أو بعض يوم، لكن تحرير مصر من براثننا ليست متوفرة لدى أحد ممن يتولوّن أمور البلاد والعباد.
لا أخفي عليكم أننا على استعداد تام لاشعال مصر كلها من صعيدها إلى ثغرها، ونحن إذا تلقينا التوجيهات بذبح شباب الثورة فسنأتيهم من فوقهم ومن تحت أرجلهم، وسنجعل جمعاتهم الصيفية جمرات من نار، فقد تجاوزوا حدودهم، وهم يطالبون بمحاكمة مبارك وعائلته، ويبحثون عن كيفية استرداد أموالكم، ويريدون القضاء على كل مخلفات العهد البائد، لكن اللعب مع الكبار له ثمن، والحيتان مربوطة خياشيمها ببعضها حتى إذا غرق أحدها تداعى له الآخرون في القاع.
أنا بلطجي لكنني سيد عليكم طالما كان أي نظام قائم يتنفس برئتي الرئيس المخلوع، ولا تغرنكم ملابسي ومظهري الخارجي فأنا قد أرتدي ملابس رثة أو قميصا مفتوح الصدر كلاعبي الكاراتيه أو يونيفورماً أبيضاً أو أسوداً أو .. كاكياً تتراقص فوق أكتافي نجوم ونسور وتزين صدري نياشين كتلك التي يرتديها جنرالات الساحة الحمراء في الكرملين.
أنا أمير الثورة المضادة، وأنا روح مبارك وشلة طرة، عدو المصريين البديل عن عدو المصريين في جناحه الفاخر بمستشفى شرم الشيخ.
كلهم يعرفونني كما يعرفون أصابع أيديهم، لكن مصلحتهم في بقائي أكبر من مصلحتهم في رضا الشعب عنهم.
انتظروني يوم الثامن من يوليو فأنا متعطش للدماء، وربما تقوم القوى الدينية إياها بالدعاء في صلاة تهجد أن ينصر الله البلطجية على شباب الثورة، فكل الأشياء قابلة للتبرير، وإذا زعم إبليس أنه مبعوث العناية السماوية فلا ريب في أن هناك من سيصدقه.
أيها المصريون،
أنا سيدكم لأن روح مبارك لا تزال تعطي توجيهاته لأركان نظامه، فالبلطجة تكليف وتشريف في آن واحد، وبطشي هذه المرة لن يكون هيناً مثل يوم الخيل والبغال والحمير، لكنه سيكون يوم تتعلمون أن البلطجة هي صناعة الطاغية التي لا تموت بموته.
تنتظروني بقوة إيمانكم بعظمة وإخلاص وحنكة وذكاء شباب الثورة، وأنا أنتظر بدهاء ومال وسطوة وَرَثة الرئيس المخلوع، أليس 8 يوليو بقريب؟
أيها السودانيون: انتفضوا، يرحمكم الله
اثنان يرقصان في السودان: الأول مع عصاه التي يهشُّ بها على شعبه فتتجرأ مليشياته في دارفور، والثاني فوق شجرة مُمْسِكاً بحبة جوز الهند!
الأول مجنون، والثاني ميمون!
الأول يضحك علىَ من يجري خلفهم، والثاني يسخر ممن يحاولون اللحاق به.
الأول يصنع وحوشاً للغابة، والثاني يهرب من وحوش الغابة!
سَلّةُ العالم العربي التي لو لم يحكمها دراكيولان، نميري والبشير، واستثمر فيها العربُ أموالهم، لأسقانا الله في عالمنا العربي ماء غدقاً، ولتحوَّلت مُدن كثيرة إلى جنات ولو لم تجر من تحتها الأنهار!
أيها الطيبون السُمْر الذين انشطروا نصفين بسبب ظلم طاغيتكم اللعين، فاختار أشقاؤكم الأكثر سمرة ولـَمعاناً الحرية في أحدث دولة أفريقية حتى لو لم تكن بها أي مقومات للدولة الحديثة أو البدائية، لماذا تصبرون على الظلم رغم أن رياح الانعتاق مرَّت عليكم بعكس مَجرىَ النيل، فالمفترض أن من يشهق في القاهرة، يزفر أخوه في الخرطوم. ومن يرتشف منكم رشفةً من النيل وهو يمر عليكم، تأتي حلاوته على لسان مصري ينتهي النهر الخالد في أحضانه.
ألم يؤثر فيكم بعد ميدان التحرير القاهري؟
هل تنتظرون أن يمزق البشير دولتكم مثنى وثلاث ورباع، ثم ينشر ( بيوت الأشباح ) في كل شبر من أرض السودان الطاهر .. الجميل؟
جرائم بشيركم لا تقل عن جرائم مبارك وبن علي والأسد ومجنون ليبيا ومهبول اليمن، فهل تنتظرون فيضان النيل ليقنعكم بأهمية الغضب، أم أن جُرح انفصال الجنوب بنسبة حقيقية رغم أنها تماثل نتائج انتخابات زعمائنا قد أخافكم، وأزعجكم، وتراجعت الثقة بالانسان السوداني الذي لا تعني طيبته ضعفا أو خنوعا أو استكانة؟
هل نرسل إليكم ثوارا من تونس ومصر والأردن والبحرين واليمن و .. قلب العروبة النابض، أم أن الهدوء السوداني الحليم هو مقدمة لثورة ستفاجيء العالم كله، وستجعل مُشاهدي القنوات الفضائية المدمنين على الحملقة في ثورةٍ إثْر الأخرى، يفغرون أفواههم أمام ثورة الشباب السوداني العظيم؟
أيها السودانيون الأبطال،
لا أستطيع صبراً، وأريد أن أبعث إليكم تهنئةً لعلها تصلكم في موعد سَحْلِ العقيد في شوارع طرابلس، وحَبْس الشاويش مع حزمة قات في أحد سجون تعز أو عدن أو أبين أو صنعاء، وانتهاء عصر الأسد وحزب البعث العربي الاشتراكي، فرع دمشق!
في درج مكتبي تهنئة مؤجلة لشباب الجزائر فهم أصحاب الحق في ثورة كان ينبغي أن تسبق ثورة شعبنا التونسي العظيم، فالجزائريون دفعوا أكبر ثمن في التاريخ الحديث، وأرواح شهدائهم تحلق فوق كل شبر من أرض جزائر التحرير والاستقلال.
ثورة شباب الجزائر ينبغي أن تتعلم من كل الثورات الشبابية التي سبقتها، وهي لا ريب قادمة كما تشرق الشمس كل صباح، وستكتسح كل القوى التي تلوثت أياديها بدماء الأبرياء في حرب الطمع السلطوي الذي تنافس على كرسي العرش فيه رافعو المصحف، وحاملو النياشين المزيفة والتي لا صلة لها من قريب أو من بعيد ببطولات قادة التحرير.
أيها السودانيون الطيبون،
منذ أن قام بانقلابه العسكري في يونيو عام 1989 وهذا السفاح الأشر يحكم قبضته على رقابكم، وكأن تخديرا سَرىَ في الأجساد فلم تعد قادرة على التحرك أو التململ أو الانتفاض، وتلك لعمري أشد صور المهانة عمقا، وذِلة، وضعفاً!
كنت أتوقع أن تتوجهوا جميعا بُعَيّد انفصال الجنوب إلى القصر الرئاسي، وتقوموا بسحب طاغيتكم من قفاه، فمحاكمته بأيديكم وأمام عدالة القضاء السوداني أشرف لكم من مثوله أمام محكمة الجنايات في لاهاي.
هل أحدثكم عن جرائمه، وفساده، وتآمره عليكم، وتسهيله انفصال جنوبكم عن الوطن الأم؟
هل أحدثكم عن آلاف من حالات التعذيب، والانتهاكات، والاغتصاب في بيوت الأشباح السودانية التي لو تناهت لأسماع الشياطين لأشفقت عليكم؟
هل أحدثكم عن استغلاله الدين، وتحالفاته التُرابية حينا، ومع بن لادن، وكارلوس وصدام حسين أحيانا أخرى؟
هل أحدثكم عن السلب والنهب والابادة الجماعية وتصفية الخصوم، ومن يدري فقد تأتي المفاجأة في معرفة القاتل الحقيقي لجون جارانج؟
أيها السودانيون الشرفاء،
شعوب الوطن العربي الثائرة ليست أقل منكم، وطواغيتها يقفون في نفس الصف السادي الدموي لبشيركم المستبد، فاتقوا الله في وطنكم، وارفعوا شعار العرب من المحيط إلى الخليج ( الشعب يريد اسقاط النظام ).
نريد أن نبتهج غبطة وسعادة ونحن نرى وجوها لوَّحتها شمس السودان الحارقة، وهي تهتف من حناجر تشتعل غيظا، وغضبا على طاغية من نسل الشياطين.
مشهد الثورات العربية بدون السودانيين ناقص، فإذا خرج الجزائريون فالفرح فرحان، أما لو اكتشف الفلسطينيون أن قياداتهم( الوطنية) تتساوى في الإضرار بالقضية الفلسطينية مع أعدائهم الصهاينة فلن يكتمل قمران قبل أن ينتفض أصحاب قضية العرب لستين عاما، ويزيحوا كل القادة، بدون استثناء، في الضفة وغزة والمهجر والغربة، فكلهم نتنياهو حتى لو برزت زبيبة الصلاة في غزة، وتأنقت ربطة العنق في رام الله.
أيها السودانيون،
لا تتأخروا علينا، فساحات التغيير في الوطن الكبير تبحث عنكم، وثورة شبابكم استنشقت رحيق ثورات تونس والقاهرة ودمشق وصنعاء وعَمَّان ولم يبق إلا خروج الشجعان، وسيقوم البشير بتقبيل أقدامكم قبل أن تقذفوا به لتماسيح النيل.
لقد مضى زمن طويل لم تثلج صدورَنا فيه أخبارٌ سارة من السودان، فاجعلونا نفرح بكم، وفي الوقت الراهن فإن أقصى لحظات الفرح والسعادة والنشوة هي التي يحتشد فيها صانعو المستقبل من شباب الوطن وقد قرروا طرد الروح الشريرة من القصر أملا في أن يعم الخير والهناء والسلام والأمن على الوطن الحر.
أيها السودانيون الأبرار،
انتفضوا، وثوروا، وتمردوا، والحقوا بركب الأحرار ، واسحقوا أعداء الشعب، وانزعوا عنكم أي آثار لمسكنة أو ضعف أو خنوع.
الأرض الطيبة تنتظر بصبر نافد هدير الجماهير السودانية وهي تهزّ عرش الديكتاتور عمر حسن البشير وبطانته، وكلابه، وقاطعي الطرق الذين استباحوا دماءكم، وأعراضكم، ونساءكم، وجعلوا السودان سودانين قبل أن يمزقوه إرباً و .. قِطعاً، وعدة دويلات صغيرة لا تنهض بحياة، فتعود لتصبح قبائل أفريقية متناثرة.
ثوروا حتى يرحمكم الله في الدنيا والآخرة، فالثورة على الطغيان هي الصلاة الوحيدة التي يقبلها الله من الحُرِّ قبل أن يرتد إليه طرفه.
وسلام الله على السودان.
نهاية الطاغية البلياتشو
خمسة من الطواغيت نشرت عنهم ( وقائع محاكمة ..) وهم مبارك وبن علي وبوتفليقة والبشير والعقيد، وشاهدت الأول على الشاشة الصغيرة راقداً على فراش خلف قفص يحميه ولداه من فضول الكاميرا، أما الثاني فحاكـَمـَهُ شعبه غيابياً بعد الهروب المذل والمخزي، فطواغيتـُنا لم يكونوا فرساناً في يوم من الأيام، إنما هم فئرانٌ تختبيء تحت جلود ذئاب، وأرانب تبدو كأنها ضـِباع.
والثالث في حماية العسكر، فأهالي المفقودين في جزائر الشهداء لن يهنأ لهم جفنٌ قبل أن يحاكموه على جريمة التستر، وجرائم الفساد التي دنـَّست أرض المليون ونصف المليون شهيد.
والرابع مطلوب للعدالة الدولية، ومحكمة مُجرمي الحرب، ولولا أنْ أسبغ عليه المزايدون، تـُرابياً، حماية دينية مزيفة لكانت أمهات الفتيات اللائي تم اغتصابهن على حواف بحيرات دارفور قد أكلن كبده، وشربن دمـَه، وعلـَّقن ما بقي من جثته علىَ جذع شجرة قديمة لا تستظل بها إلا الحيوانات المفترسة.
وأما الخامس فلم تنجب صحراء ليبيا شيطاناً مثله، ولعلي لا أبالغ إنْ قلت بأن إبليس لو تجسد رجلا ووقف بجانبه لكان أكثر وداعة، ولطفاً، وَرِقـَّة، وسماحة!
في 21 فبراير من هذا العام كتبت ( وأخيرا سيسحل الليبيون الطاغية المهرج)، وطال انتظاري لتهنئة الليبيين، لكنني لم أفقد الأمل لحظة واحدة في أن شعبـَنا الذي صمت على تهريج المستبد أكثر من أربعة عقود لن ينهزم بعدما عرف أن فيه روح عمر المختار، وأن السوط لا يـُلهب ظهراً معتدلا لمواطن يرى أن قيمته من كرامتـِه، وأن كرامتـَه من قدرتـِه على الغضبِ، وأن غضبـَه يُمثل أرقىَ مشاعر الحرية.
الحُلم يمثل خيالا في النوم، أما أحلامي في سقوط الطغاة فهي عين اليقظة، وهي تنتقل بي في دقائق معدودة بين قصور الطغاة وخيامـِهم في عالمنا العربي الممتد من الزنزانة إلى الزنزانة، فإذا رأيتُ قفصاً يقف فيه مستبد تداعىَ له قفص آخر ينام فيه طاغية، وإذا شاهدتُ قاضياً ينادي على ديكتاتور، لمحت على الفور سفـّاحاً آخر يُخفض رأسه خجلا أمام جماهير تلعنه علناً بعدما أفرغت كل ما في جعبتها من لعنات سـِراً و.. بين جدران أربعة.
أستعيد من ذاكرتي يوم أنْ قال سفير ليبيا في الدانمرك لصديق عزيز بأن محمد عبد المجيد كان محظوظا ( في العام الذي سبقه)، فقد دعوناه لزيارة الجماهيرية بحجة لقاء الأخ العقيد ولم يُلـَب الدعوةَ، وكان الهدف أن نشد أذنه ( يقصد تصفيتي )، ومنذ ذلك الحين ولأكثر من خمس عشرة سنة جعلت قلمي في عين سفاح ليبيا المهرج، فكتبت ( فلسفة التخلف في فكر العقيد) و ( عبقرية الحماقة لدى العقيد) و(لماذا لا يُحاكـَم العقيد معمر القذافي ) و ( أمريكا تطبع قبلة على جبين العقيد ) و ( المخرب أم المخرف ) و ( العقيد يلقي دروسا في الجنس ) و ( القول السديد في بلاهة العقيد ) و ( وقائع محاكمة العقيد معمر القذافي ) و ( ولكن الليبيين سعداء بالعبودية ) و ( ماذا لو حقن العقيد الليبيين بالإيدز؟ ) و ( المراحيض في خيمة العقيد ) و ( لماذا لا يبيع العقيد الليبيين؟ ) و ( التبكيت والتنكيت والتسكيت و .. التفتيت) و ( برونتو .. العقيد في ايطاليا ) و ( مقطع من يوميات معمر القذافي ) .. وغيرها الكثير.
ألم يهدد برزان التكريتي بتصفيتي؟
ألم يحاول صديق عزيز استدراجي لشد أذن آخر في عهد مبارك بحجة استضافتي في حديث تلفزيوني بالقاهرة، ثم اكتشفت أن لا وجود للبرنامج المزعوم؟
وللحق فقد غمرني الليبيون برسائل محبة شحنت قلمي بمداد لا ينقطع، فمعركتُهم هي معركتي كأنني ليبي سقط من بطن أمه في مصراتة أو زليطن أو طبرق أو بنغازي!
فرحتي بنصر قريب تعادل خوفي على سرقة ثورة فرسان ليبيا وأبطالها، فلصوص الثورات يتربصون عند كل مدخل، ويمكنك أن تعثر عليهم بسهولة على ناصية أو في مكتب أو في صحيفة أو حزب أو عضوية جماعة، وقد يرتدون أقنعة تقنعهم أنهم من أتباع النظام الجديد.
فالطغاة يقومون بتربية كلاب تظل وفية لأسيادها زمناً طويلا حتى لو هزّت ذيولها لأسياد العهد الجديد، لذا ينبغي أن يأخذ الثوار المنتصرون بفضل الله حذرهم من الحرباء التي تغير لونها لخداع بصر خصومها.
نصيحتي لأبطال الثورة أن يعيدوا ما خرّبه المهرج في أربعين عاما أو يزيد، وأن يتسلحوا بكل صور التسامح والحرية والديمقراطية، وأن يبتعدوا عن التطرف والمزايدة والتحالفات التي تصنعها جماعات متشددة لو سقطت ليبيا الحرة في براثنها لترحم الليبيون على عهد أعفن طغاة الصحراء.
ما أجمل أول عيد فطر بدون مبارك وبن علي والقذافي والأسد الشبل وكذاب اليمن المستبد!
من يدري فقد نحتفل بعيد الأضحى بدون عمر حسن البشير وعبد العزيز بوتفليقة وعسكره..
أحلم بعيد جديد بعدما يتخلص الفلسطينيون من كل زعمائهم وقياداتهم، يمينا أو يساراً أو إسلاميا أو علمانيا، في رام الله أو غزة أو المنفى أو الشتات أو مخيمات خارج الوطن المحتل، فكل القيادات الفلسطينية ترفع شعار النصر وقلوبها في تل أبيب.
معذرة، فلو استرسلت في أحلامي لوصلت إلى عراقنا الحبيب، وقد تخلـَّص من الاحتلال، وحاكـَمَ كل لصوص المنطقة الخضراء، وأنهى عصر الطائفية، ونزع من هويات مواطنيه أي كلمة تشير إلى المذهب والطائفة والجماعة، فالعراق باق وهم زائلون.
ما أكثر أحلامي التي أرهقت قلمي على مدى أربعة عقود!
الآن دعوني أستعد لإرسال تهنئة عاجلة بسقوط طاغية، لكنني لم أكتب العنوان بَعْدُ علىَ الرسالة!
عودة مواطن مصري من الجبهة
الوطنُ من الخارج صورةٌ يتم رسمُ الجزءِ الأكبرِ منها بريشةِ الحنين، وألوانِ الغـُربة، وظلالِ حُلمِ العودةِ، ورتوشِ الحيرةِ بين مكانيّن: الوطن الأم و .. الوطن المضيف!
في الغربةِ نعيدُ قراءةَ مشهدِ الماضي، ونضيفُ إليه، ونحذف منه، لكنه سيظل، كما قال شاتوبريان، مجموعةً لا متناهية من الأشياء الصغيرة التي لا تتوقف عند قطعة موسيقية أو أغنية كان الوالد يحب الاستماعَ إليها أو رائحة الطعام التي تختلط بضوضاء المطبخ قبل أن تنادي ربةُ البيت على الجميع ليلتفوا حول مائدة متواضعة أو طبلية مستديرة يتزاحمون حولها، ثم تختار ست الحبايب الخبزَ الجاف الذي يزيحه جانباً كل فرد من الأسرة!
في الغربةِ تترعرع المشاعر القومية، ويكبر الوطن، ونكتشف صورا جديدة من التسامح ، ونعرف أن عدوَّنا واحد، وحتى لو لم نكن غادرنا مِصرَنا بسببه، فوجودُه كان مانعاً للعودة.
الدكتور أسامة رشدي واحدٌ من وجوه الثورة المجيدة وله باعٌ طويل في النضال، وكان من أهم خُصوم الطاغية السفاح حسني مبارك.
هل هناك كاره للطاغية لم تمر عيناه على موقع ( جبهة انقاذ مصر ) فازدادت كراهيته لكل صنوف الظلم التي مارسها أعتى طغاة وطننا العربي الكبير؟
ثلاثة وعشرون عاماً والمناضل الكبير محرومٌ من الاقتراب من أرض الوطن، فكلابُ القصر لا تُفـَرّق إذا افترستْ بين قريب و .. وبعيد، ومبارك كان يعلم أن قلمَ الدكتور أسامة رشدي كحنجرتِه تماماً، إذا قرأتَ له أو استمعت إليه يختصر لك عذابات مصر تحت حُكم الديكتاتور بصورة دقيقة، ومعلومات تفصيلية موثقة، ولغة عربية سليمة، ومعرفة بالقانون فيبدو كأنه يترافع في محكمة الشعب عن أمة بأكملها.
لا ينكر إلا مكابر فضل جبهة إنقاذ مصر على دفع ثورة 25 يناير إلى الأمام، واعطاء شبابها جرعات من الشجاعة، ولم يتنازل المناضل العبقري قيد شعرة، ولم يقدم ولو مرة واحدة اقتراحا على استحياء يسمح للمجرم أن يغادر مكان الجريمة دون عقاب.
تاريخ طويل من النضال صبغ حياة الدكتور أسامة رشدي واختلطت الغربة بالخوف على الوطن الأم، ورصدت أجهزة أمن الطاغية تحركاته، وآذته في اقامته الهولندية، وتربصت به في اقامته اللندنية، لكنه كان يُطل على المهمومين بعشق مصر في ( قناة الحوار)، ويستضيفه خالد الشامي في ( أوراق مصرية) فتتحول بين يديه إلى مستندات تدين النظام البائد، ثم يُطل مرات أخرى في فضائيات مختلفة ، فيُزيد حماسَ الكارهين للطاغية، ويتضاعف مَقْتُ النظام عليه.
وأخيرا يطوي الدكتور أسامة رشدي صفحةَ الغـُربة بالعودة إلى مصر التي كانت معه في يقظته ومنامه، في قلمه ولسانه، في فرحه وحزنه، حتى سقط الطاغية، وانفتحت الأبواب، وتنفس الأحرار، وبدأنا رحلة العودة لاحتضان وطن لم يغب عنا لحظة واحدة.
في الساعة الواحدة وأربعين دقيقة ظهر الخامس عشر من يونيو تهبط طائرة الخطوط السويسرية في رحلتها القادمة من زيوريخ، وعندما تلمس عجلاتها مدرج مطار القاهرة الدولي يلمس قلب أحد ركابها تراب الوطن ويتخضب به، فالمناضل يحصد أفراح الثورة، ولكن عاشقي كتاباته، والذين تابعوا رحلة النضال عبر ( جبهة انقاذ مصر) أمام امتحان الوفاء، واختبار الاخلاص، فاستقبال الدكتور أسامة رشدي ينبغي أن يكون يوما من أيام ثورة 25 يناير، ومهمة مُحبيه الأوفياء قد لا تستغرق ساعتين أو أكثر في مشهد خروجه من مطار القاهرة الدولي، والساعتان في عمر الزمن تعادلان ثلاثاً وعشرين سنة في عمر الغربة الطويلة الأكثر إيلاماً من مطاردة طاغية لأحد أهم رموز المقاومة المصرية في الخارج.
القرار الآن بين أيدي الأوفياء المصريين بغض النظر عن انتماءاتهم، وأحزابهم، وأطيافهم، فكل قوى المعارضة وشباب الثورة وائتلافها وكل من حمل ذرة بغضاء للصوص الوطن مطلوب منهم أن يحملوا رسالة الوفاء، ويستقبلوا الدكتور أسامة رشدي ، فهذا أقل واجب يمكن أن يقدمه مصري لهذا المناضل الرائع!
أيها المصريون الأوفياء،
إن استقبال الدكتور أسامة رشدي تعادل، معنوياً وأدبياً ووطنياً، محاكمة الطاغية مبارك!
هل أنتم قادرون على القيام بمظاهرة حب في الخامس عشر من يونيو في مطار القاهرة الدولي للتعبير عن عِرفان بالجميل للمناضل الغائب .. العائد؟
يا شباب مصر .. لا تصدقوهم
أحيانا تسقط التواريخ، أو تتوارى خلف أحداثٍ جِسام فيشير المرء للحدث حتى لو لم يعرف تاريخَه!
فأنت تقول: قبل الحرب العالمية الثانية، أو بعد الثورة الفرنسية، أو عندما وصل كريستوفر كولمبس للعالم الجديد، أو قبل الثورة البلشفية، وسيأتي اليوم الذي يؤرخ فيه من يصف حدثا مصرياً بأنه قبل أو بعد ثورة 25 يناير الشبابية.
بعد عدة أشهر ستضيف شركات السفر في الدليل السياحي أثراً جديدا من معالم مصر ، فيطلب الفوج السياحي زيارة الأهرام، ووادي الملوك، والمتحف المصري، وميدان التحرير الذي سيطلق عليه ميدان 25 يناير حتى لو لم يعترف به زاهي حواس فهو وزير في حكومة قام بتعيينها طاغية أفقده شبابُ التحرير شرعيتـَه!
لأول مرة في ثلاثين عاما يسير المصري في كل مكان في العالم مرفوع الرأس، فهو ليس سليلَ الفراعنة، وليس بطل أفريقيا في كرة القدم، وليس صاحب مسلسلات رمضان التلفزيونية، لكنه شقيق لشاب ينام تحت دبابة في ميدان التحرير، وابن خالة فتاة تتحدى بقوة إرادة فولاذية أعتى طواغيت العصر.
يريدون سرقتكم في وضح النهار، ويجلسون باعتزاز زائف وفخرٍ هَشٍّ عن يمين وعن يسار نائب رئيسٍ لم يَعُدْ رئيساً إلا في مُخَيّلة خُصوم الشعب المصري.
يتحدثون في كل شيء إلا مطالبكم العادلة، ويبتسمون، ويتضاحكون تحت صورة الطاغية، ويكاد رفعت السعيد وخصومه الإخوان المسلمون يرقصون فرحاً فوق المنضدة الدائرية، فالسيد البدوي أقنعهم أن حُمُصَّ المولد انتقل من ساحة المسجد في طنطا إلى قاعة فاخرةٍ تتصدرها صورة سفاح استأجر لبلطجيته الخيل والبغال والحمير والجمال ليركبوها، فإذا بها تـُشهد العالم أن مصر تحكمها عصابة، وأن مغارة علي بابا لا تزال تمنح الأربعين ألف حرامي ما لم تنشره( الجارديان) عن ثروة زعيمهم حسني مبارك التي بلغت خمسمئة مليار جنيه!
وجاءكم عمرو موسى في اليوم الثاني عشر نازعا ربطة عنقه مثلما فعل أحمد شفيق، وحاول التهدئة، واقناعَكم بعدم اهانة السيد الرئيس!
لكنه اكتشف في عيونكم المصرية الواسعة والجميلة أنكم أنضج منه، وأكبر من جامعته العربية، وأن هتافاتكم لن يتخللها مقطع لشعبولا ( باحب عمرو موسى .. )، ولم يتمكن من تلميع قاتل مئات من زملائكم الذين كانت أرواحهم الطاهرة تحلق فوقكم، فتنصرف غاضبة عندما تستقبلون منافقا من قوىَ المعارضة، وتعود بعدما ينصرف.
جاء أحمد زويل من بلاد العم سام، وقدّم لحكومة غير شرعية اقتراحات عن حقوق المواطنين، والافراج عن المعتقلين السياسيين، وغيرها..
لكنه أسقط العنوانَ الرئيسَ لمطالبـِكم العادلة.. الشعب يريد اسقاط النظام!
يراهنون على أن أجسادكم الغضّة سيرهقها الجوع، ويـُتعبها العطش، ويبطئها النـَصَبُ والتعب وليالي الميدان الطويلة، لكنكم كنت تتفننون في الصمود مع اشراقة صباح مصري جميل لأربعة عشر يوما ستجعل أيَّ مؤرخ في قادم الزمان يبدأ الكتابة من تاريخ غضبتكم المباركة.
يراقبكم سبعة ملايين مصري في الخارج، وعشرات الملايين في الداخل، وتستقبل السماوات العُلا أدعية تصعد فلا تدري الملائكة إن كانت مرّت على هلال أو صليب.
هل وصلتكم الرسالة الخاصة بثروات كبير اللصوص؟
لقد نقلتها كل وكالات الأنباء، وجعلت أثرياء الدنيا يحسدون طاغية مصر على نصيبه من أفواه جائعي بلده، وكان من المفترض أن يتغير شعار ثورتكم فورا ويصبح ( الشعب يريد محاكمة النظام )، فالمطلوب مذكرة استدعاء لكل أركان الحُكم ورجال الأعمال وعائلة مبارك، فرحيلُه الذي كان أضعف الإيمان أصبح جريمة غض الطرف عن أخطر لصوص العصر.
يشاهد مبارك وعائلته وكلابه وأزنابه وحيتانه ومنافقوه شريط الفيديو، مرة تِلْوَ الأخرى، فهذه سيارة تدهس المصريين، وهؤلاء قناصة تصطادهم، وتلك أوامر عُليا باخلاء مصر من مليون رجل أمن حتى لا يبقى من الوطن شيء آمن، وهؤلاء بلطجية بأسلحة بيضاء وقلوب سوداء ووجوه صفراء يمارسون ضدكم فِعل الشياطين.
اللغة الخادعة لم تخدعكم، وتهشّمت حروفها تحت قوة صلابتكم، فهذا يقول تهدئة، وذاك يؤكد على أهمية كرامة الرئيس لأنها من كرامة الجيش، وثالث يطلب منكم العودة لبيوتكم بعدما انتصرتم، ورابع يتهمكم بالاخوانية، وخامس يؤكد أن هزيمتكم قادمة لا محالة، وسادس يـُرجع سبب الفوضى لاحتلالكم ميدان التحرير، وسابع يتعلل بالموضوعية والعقل، وثامن يـُقسم أنه سيعيد إليكم حقوقكم ( وليس شهداءكم ) من أنياب الطاغية ونائبه و .. رئيس وزرائه.
لا تصدّقوهم فهم تلامذة القنوات التلفزيونية المصرية، والنظام القاتل لا يزال يحكم، واللصوص يتمتعون بخيراتكم، والسفاح يقوم بِسَنّ سكينته، وضباط الأمن الذين تراجعوا عن مواقعهم مخالفين قـَسـَم الشرف وحماية المواطنين لصالح بلطجية مبارك سيعودون لصناعة شهور الجحيم حتى سبتمبر القادم.
لا تصدقوا من يتحدث باسمكم ولو كان أكثر الكبار تقوىَ، ومصداقية ظاهرية، وحكيم زمانه.
لم تعودوا مدافعين فقط عن مصر، ولكنكم خط الدفاع الأول عن الوطن العربي الممتد من المحيط إلى الخليج، وأنتم أمل كل عربي يدوس فوق رأسه طاغية، وفوق ظهره ضابط أمن، وتنتظره زنزانة ليقبع فيها ما بقي له من عمر.
لو كان الأمر بيدي لحجزت مكاناً على أول طائرة، وهرولت إلى ميدان التحرير، وقبـَّلت رأسَ كل واحد فيكم لأتطهر، وتعود إلىَ عقلي حِكْمَةُ الشباب، وإلىَ قلمي حماسة الفرسان.
قدّاس الأحد في الميدان كان أطهر من أي قداس آخر في كنيسة ولو أقامه البابا بنفسه، وصلاة الغائب التي أداها المسلمون في حماية الأقباط كانت عند الله أقرب من كل صلوات شيخ الأزهر التي دعا فيها الله أن يحفظ ولاة أمورنا.
استمروا، واعتصموا بالميدان فهو حبلُ الله، وارفضوا كل صور الحوار فالثورة المنتصرة يأتيها المنهزمون من السلطة راكعين، وطالبين الصفح والنسيان.
المنتصر لا يتفاوض، ولا يرسل وسطاء، ولا يناقش، ولا يتنازل، لكنه يُملي شروطه، ويحدد ساعة الصفر لاستسلام المنهزم.
لا تبحثوا عن فارس نبيل في جيش مصر فأربعة عشر يوما والذئب ينهش في أجسادكم لم تـُحرك نخوة، وشهامة، ورجولة، وكرامة أبناء أبطال العبور.
العسكر الثلاثة الكبار وسفاح مصر يخاف كل واحد منهم أن يغدر به الآخرون، وقوىَ المعارضة تتسابق على نصيبها من الكعكة كما فعلت إبان الانتخابات البرلمانية المزورة، ومبارك ونائبه ورئيس الوزراء يرفضون عودة عشرات الآلاف من ضباط الأمن، فورقة تدمير مصر تبدأ من التلويح بعدم الأمان، وسيطرة المجرمين ومرتزقة النظام تشترط انسحاب ضباط الأمن حتى يتم تأديب الشعب الذي ثار بثورة شبابه.
يراهنون على فُرقتكم، ولا يعرفون أنكم أسرة واحدة بملايين الأفراد من السويس والاسماعية إلى القاهرة وبورسعيد، ومن بنها والمحلة إلى أسوان وسيناء.
ألم يأن الوقت للدعوة لاحتلال مركز الفساد والكذب والزيف والخداع، فيكون هناك يوم ( البيان رقم واحد )، ويتوجه مليون أو أكثر إلى ماسبيرو، وهنا فقط سيتهاوى النظام، وتعلنون أسماء المطلوبين للعدالة، وتقومون بطرد كل قوى التخلف الإعلامي.
اجعلوا أحد أيام اعتصاماتكم المليونية لــ ( البيان رقم واحد)، واستأصلوا رأس الأفعى من إعلامه، وليكن لكم إعلام الثورة الشبابية، وباحتلال ماسبيرو ترفع ثورة الشباب راية النصر.
احفظوا أسماء من يتحدث باسمكم، وحاسبوهم بعد سقوط النظام فقد أرادوا، عن سوء نية أو حُسْنـِها، اغتيال ثورتكم الطاهرة.
فتاوى الأغبياء في تمييزهم عن الأسوياء
رأيت فيما يرى النائم أنني أُصبت بلوثة عقلية في الوقت الذي تلقيت طلباً للعمل في صفحة الفتاوى بواحدة من المطبوعات التي ينتظرها في نهاية كل أسبوع الحمقى والمغفلون والمعاقون ذهنيا.
حاولت أن أشرح لرئيس التحرير، لكنه ما إن رآني ملتحياً، ومرتديا خفين تفصل بينهما وبين ذيل الجلباب مسافةٌ شرعية حتى تهلل وجهه، وأصَرَّ أنني الأكثر صلاحية لهذا القسم، ثم دفع إلىَّ بورقة بها بعض الأسئلة لمسلمين حائرين ينتظرون بصبر نافد جواهر الكلام فيما يظنه البلهاء من الإسلام!
قرأت الأسئلة ولم أفهم منها شيئاً، ووضعت أجوبة لن يفهم أحد منها شيئاً، فكانت كالآتي:
س: فضيلة الشيخ، أنا شاب ملتزم، وجاءتني فرصة للسفرعلى متن طائرة تحلق فوق بلاد الكفار، وتحتها بيوت يشرب أهلها الخمر ويمارسون الفحشاء، فهل أنا في هذه الحلة مذنب؟
ج: عليك يابني أن تتحدث مع الكابتن طيار وتطلب منه أن يتجنب الطيران فوق بلاد الكفار، وإذا كان مُضطرا فعليه أن يحاول الطيران فوق تجمعات المسلمين وهذه طريقة سهلة، فمآذن المساجد مرتفعة، ويمكن أن تكون دليلا للطيران الشرعي الحلال.
س: أنا مسلم تقي، وأحب السباحة لكنني أخشى أن أسبح في مكان تكون قد سبحت فيه من قبل فتيات يرتدين المايوهات، فهل المياه التي أسبح فيها تكون نجسة لأنها اختلطت بعورات الفتيات؟
ج: عليك يا ولدي أن تكون متفهما للظروف، فإذا كانت المياه جارية فالسباحة فيها حلال، أما المياه الراكده التي تظن أن أجسادا عارية وبضّة وناعمة سبحت فيها من قبل، فالاقتراب منها حرام.
س: صديق لي يبلغ الثلاثين من عمره وقد أراد الزواج من فتاة قيل له بأنها في العشرين، فلما تزوجها اكتشف أنها في السابعة من عمرها، فهل يطلقها، أم يحتفظ بها حتى تحيض؟
ج: إذا كان قد رآها رؤي العين وظن أنها في العشرين ثم اكتشف أنها في السابعة من عمرها فالاثم يقع على ولي أمرها لأنه لم يجعلها ترتدي ملابس الأطفال، وإذا كانت منقبة، ودخل عليها فعليه أن يسأل أهل العلم.
س: أنا أعمل في رقابة المطبوعات، وأحيانا أقرأ رواية فيها حديث عن امرأة سافرت دون محرم، فهل أنا آثم وينبغي عليَّ ترك العمل؟
ج: عليك أن تتصل بكاتب الرواية، وتطلب منه تغيير الجملة إلى امرأة سافرت ومعها محرم، أو يضيف كلمة آثمة وتلعنها الملائكة، وإذا لم يستجب الكاتب فعليك أن تستقيل لأن أجرك حرام من هذا العمل المخالف للشرع!
س: لي زميل في الجامعة غير مسلم، وقد استعرت منه كراسة المحاضرات وسقطت فوق سجادة الصلاة، فماذا أفعل لكي لا يغضب الله علىًّ ويدخلني نار جهنم؟
ج: لا إثم عليك إن شاء الله إذا سقطت كراسة محاضرات زميلك الكافر فوق الطرف الأيسر للسجادة، أما إذا سقطت في وسطها أو أيمنها فينبغي أن تغسلها سبع مرات، وإذا كانت صينية الصُنع فغسلها عشر مرات واجب، أما السجاد المصنوع بأيدي فتيات لا يرتدين القفاز فينبغي احراقه.
س: أنا فتاة ملتزمة وقد رأيت في منامي أن شابا وسيما احتضنني بقوة وابتسمت له، فكيف أقوم بالكفّارة عن ذنبي؟
ج: الذي احتضنك في المنام هو الشيطان نفسه، أما ابتسامتك فتعني رضاك عما حدث، لذا يجب التوقف تماما عن النوم لئلا يظهر الشيطان مرة أخرى، وتتطور الأحضان والقبلات إلى ما لا تحمد عقباه، وقد سمعت أحد مشايخنا الأفاضل يقول بأن الزنا في المنام قد يؤدي إلى حمل المرأة سفاحاً خاصة إذا كان نومها عميقاً!
س: الموسيقى هي مزامير الشيطان، وأنا كنت أطل من نافذة بيتنا فرأيت عرسا أمام المنزل تنبعث منه الأغاني والموسيقى والمعزوفات، فهل يجب أن أتوضأ مرة أخرى؟
ج: إذا كانت مزامير الشيطان كماناً وعوداً وجيتاراً فمن الأفضل إعادة الوضوء، أما لو كانت الطبلة تشبه الدف، والعرس على مسافة خمسين مترا فلا حرج في الصلاة بنفس الوضوء السابق!
س: هل هناك جان يجيدون التعامل على الكمبيوتر، ولهم مواقع على الانترنيت، ويدخلون المنتديات باسماء خفية؟
ج: الجان يعرفون كل ما يعرفه الإنس، وهناك عفاريت أكثر مهارة من بني البشر في التعامل مع الإنترنيت، وقد سمعت أن عفريتا قام ببرمجة الخطة الخمسية للحكومة، وبعض العفاريت يفضلون أجهزة الماكنتوش، لذا فعليك التأكد من بريدك الالكتروني لمعرفة إن كان المرسل جنا أم إنساً!
س: هل يستطيع زعيم طاغية أن يعتقل الشياطين ويضعهم في سجونه ومعتقلاته؟ وهل يكون سجانوهم من نار أم من طين؟
ج: بنو البشر فقط هم المسحوقون تحت أحذية الطاغية، أما الشياطين فتعيش في القصر وتأكل مع القائد المهيب.
س: شقيقي الأصغر التحق بكلية العلوم، وبدأ يتعلم أشياء غريبة عن الانفجار العظيم والمجرات وملايين النجوم، وفجأة قال لنا بأن الأرض التي نعيش عليها صغيرة جدا وأنها ذرة متناهية تحلق في الكون وتدور حول نفسها وحول الشمس، فماذا نفعل معه؟
ج: يجب اخراج شقيقك فورا من الكلية والحاقه بكلية الشريعة قبل أن يتورط في مزيد من الخرافات، فالأرض هي مركز الكون، وهي أكبر من كل الكواكب والنجوم، وتقف على قرني ثور، وتهتز عندما تعطس الشياطين، أما الشمس فتنزل في المساء إلى قاع البحر فتبتل، وعندما تشرق من الناحية الأخرى تبدأ ضعيفة حتى يجف البلل عنها.
س: أعرف شخصا يعيش في النرويج ويتحدث عن بلاد شمس منتصف الليل، ويقول بأنها لا تختفي في الصيف، ولا تظهر في الشتاء، فما حكم الشرع في هذا المجنون؟
ج: على المسلم أن يكون حذرا من هؤلاء الجهلة، فكيف تصدق أن الشمس تظهر في منتصف الليل، ثم أين تختفي في فصل الشتاء إلا إذا انتقلت إلى كواكب أخرى تنير لأهلها، ثم تعود بعد انتهاء مهمتها!
س: أعرف شيخا يقول بأن المرأة التي تجلس قبالة التلفاز آثمة لأن المذيع يستطيع أن يراها وهي بملابس البيت، فهل هناك طريقة لتجنب الحرام في هذه الخلوة غير الشرعية؟
ج: عليها أن تتدثر جيدا، وأن تجلس بزاوية 45 درجة حتى لا يلمحها المذيع أو أي ذكر عبر التلفاز، ومن الأفضل شراء جهاز تلفاز بغير صورة تجنبا للوقوع في شرك الكفر البواح.
س: أنا امرأة صالحة، أقرأ كثيرا لكل الشيوخ، ولا تبتعد عيناي عن شيوخ الفضائيات، لكن لم يجب أحد عن سؤالي الذي أرقني كثيرا: هل يستطيع عفريت ذكر أن يجامعني في حضور زوجي دون أن يلفت انتباهه؟
ثم إنني واقعة في مشكلة محرجة وهي أن ابني الصغير يشبه العفاريت، ويجري مثلهم، ويختفي من غرفة إلى أخرى، ويصرخ كأنه منهم، فهل تظن، سيدنا الشيخ، أن عفريتا انزلق في فراشي، وحملت منه هذا الولد الشقي، خاصة أن جارة عجوزا تقول لي دائما: ابنك عفريت؟
ج: إذا كان زوجك يغط في النوم ويصدر شخيرا ولا يشعر بأي حركة حوله فأغلب الظن أن ابنك من الجن وهو يحتاج إلى معاملة خاصة، ويجب أن لا تغضبيه حتى لا يستعين بأقرانه، ويسببون لك المتاعب.
أما إذا كان والده صالحا وطيبا فلا شك بأن ابنك العفريت من صلبه.
س: ما هو رأي الشرع في شرب الشاي في فناجين عليها رسومات؟
ج: إذا كانت ذات روح ولو كانت رسوما كاريكاتيرية، فالشاي هنا بكل أنواعه حرام باستثناء الشاي الأخضر لأنه يقاوم الروح الشريرة في الرسوم، ويجب عدم وضع الفناجين في غسالة الأطباق حتى لا تؤذي الأرواح فتنتشر في الدار وتزعج أهلها.
س: قال لي صديق متابع جيد للشأن المصري في سبعة وعشرين عاما بأن الرئيس حسني مبارك لا ينتمي إلى الجنس البشري فليس في قلبه مثقال ذرة من رحمة، ولا ينتمي للشياطين فهو أكثر منها قسوة وكراهية وعنفا، فهل هذا الكلام صحيح؟
ج: هذا السؤال لا استطيع الاجابة عليه لأن المسلم العاقل فقط هو الذي يطرحه وأنت مجنون، وهو يحتاج إلى شيخ عاقل يجيب عليه، وأنا مجنون!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق