الخميس، 17 أكتوبر 2013

لابتزاز الأمريكي فى مواجهة الكبرياء الوطنى

 (١) كانت القوة المتفردة والأعظم فى عالمنا المعاصر.. كانت معها القوة التى تستطيع بها التحكم والسيطرة على العالم؛ قوة السلاح والاقتصاد والإعلام.. لكنها مع ذلك تتميز بغباء مستحكم وحمق غير محدود.. هى تكذب كما تتنفس، وتنسى أنها تكذب، فتكذب مرات ومرات.. هكذا القوى دائما، ليس بحاجة إلى الصدق أو الشفافية.. هو لا يعمل حسابا للضعفاء، ولا يهمه أن يقال عنه إنه كاذب أو محتال، فلديه القوة التى تردع الآخرين.. الإدارة الأمريكية تتصور أن العالم يصدقها، أو بمعنى أدق مضطر لتصديقها من أجل المنافع والمصالح.. وربما الخوف أيضاً.. لكنها السنن الإلهية تفعل فعلها، حتى على الدول.. فالصغير يكبر، ويشتد عوده، ثم يهرم.. والضعيف يقوى، ثم لا يلبث أن يضعف مرة أخرى، وهكذا.. من المؤكد أن هذا التغير لا يتم عادة بشكل مفاجئ، وإنما بطريقة متدرجة ربما لا تكون ملحوظة.. لذلك قيل: أمران لا يستشعر بهما إلا إذا غلبا واستوليا؛ النوم فى حياة الفرد، والانحطاط فى حياة الأمم.. فى السنوات الأخيرة، جرى على الإدارة الأمريكية ما جرى ويجرى على غيرها، فالقوة التى كانت تمتلكها لم تعد كافية لتغطية مصالحها التى تنامت وتضخمت، ورغم ذلك فهى سادرة فى غيها وضلالها نحو تحقيق المزيد من الهيمنة والسيطرة.. لكن هيهات.. ثم إن مشكلاتها الداخلية، كالصحة والتعليم وأزمة الموازنة أثخنت جراحها، علاوة على عوامل الضعف والوهن التى تسللت إليها؛ كالفساد، وسيطرة رجال المال والأعمال، والانحلال الأخلاقى، وازدواجية المعايير.. إلخ.. هذا فى الوقت الذى بدأت تظهر فيه قوى متنامية أخرى على الصعيد الدولى؛ كالصين واليابان وكوريا، فضلا عن روسيا التى بدأت تستعيد عافيتها وتبرز على الساحة من جديد.. من البدهى والطبيعى أن تكون لنا نحن المصريين علاقات مع هذه الدول، فقد فات أوان الدوران فى فلك الإدارة الأمريكية.. كنا نرجو أن تكون للاتحاد الأوروبى شخصيته المستقلة، لكنه رضى بأن يكون تابعا للإدارة الأمريكية، ولا يزال يمارس دوره فى الوكالة عنها، لذا فلا يعوّل عليه ولا يرجى من ورائه شىء.

(٢) المشكلة ليست فى حالة الضعف التى تعانى منها الإدارة الأمريكية الآن، وإنما فى ضعفنا نحن العرب.. فى عجزنا وفشلنا وعدم قدرتنا على النهوض والتقدم والمقاومة والتحدى.. الأمر مرتبط بمصر صاحبة القيادة والريادة على المستويين الإقليمى والدولى، لكنها ليست فى عافية بالقدر الذى يجعلها قادرة على استعادة دورها فى الظروف الراهنة، والأسباب معروفة وواضحة لكل ذى عينين.. جرت عليها عوامل التقهقر والتراجع منذ عقود، حيث نخر فيها سوس الفساد والاستبداد، والرشوة والمحسوبية، والمداهنة والتملق والتسلق، إضافة إلى الثالوث المدمر؛ الجهل والفقر والمرض.. هذا بالإضافة إلى أن لدينا قوى فى الداخل حريصة على إضعاف وإنهاك مؤسسات الدولة؛ الجيش والشرطة والقضاء والحكومة، بل والاستعانة بالإدارة الأمريكية لتحقيق ذلك.. نسوا -أو تناسوا- ما فعلته الإدارة الأمريكية فى أفغانستان، وما ارتكبته من حرب إبادة وجرائم ضد الإنسانية فى العراق.. نسوا ما قامت به من تفكيك مؤسسات الدولة على يد بول بريمر، وممارسات جنودها فى سجن أبوغريب.. نسوا -أو تناسوا- تأييدها الكامل ودعمها المعنوى والمادى للكيان الصهيونى فى كل ما قام ويقوم به من مذابح وتطهير عرقى للشعب الفلسطينى، واستيلاء على مزيد من الأراضى فى فلسطين، فضلا عن تهديده الدائم والمستمر لأمننا القومى.. لكن، لا بأس، طالما أن هذه الإدارة سوف تقف إلى جوارهم فى الوصول إلى السلطة، أو فى استعادتها حال فقدانها(!)

(0)      لقد جن جنون الإدارة الأمريكية يوم أزيح الإخوان عن السلطة فى ٣ يوليو.. فقدت اتزانها وطاش صوابها.. أطاحت ثورة ٣٠ يونيو بأحلامها وأمانيها، خاصة فيما يتعلق بخطط وبرامج أمن وأمان الكيان الصهيونى وضمان توسعاته على حساب فلسطين والمنطقة العربية.. كما أن الثورة أضاعت عليها فرصة صراع مذهبى كانت تعد له بقوة، بين محور سنى تقوده مصر -أو بالأحرى الإخوان المسلمون- فى مواجهة آخر شيعى، وذلك لمصلحة المشروع الأمريكى/ الصهيونى، الذى ما برح يستهدف مزيدا من تفكيك المنطقة وتركيع الأمة والسيطرة على مقدراتها والقضاء على خصوصيتها الثقافية وطمس معالم تراثها الحضارى.. من هنا كان وقوفها أو عداؤها لثورة ٣٠ يونيو، وللجيش المصرى.. وقد بذلت ضغوطا كبيرة لإعادة مرسى والإخوان إلى سدة الحكم، واتبعت فى ذلك وسائل عدة.. فى الآونة الأخيرة بدأ الحديث عن قطع المعونة عن مصر، بالتزامن مع محاولات إشاعة الفوضى وإثارة القلاقل واستنزاف الدم المصرى، سواء كان من الجيش والشرطة من ناحية، أو من الإخوان ومناصريهم من ناحية أخرى.. أعتقد أننا لسنا فى حاجة إلى المعونة الأمريكية، فاستقلال إرادتنا وكبرياؤنا الوطنى فوق أى ضغط أو ابتزاز.. كما أن القضاء على مظاهر الفوضى والعنف والإرهاب أوشك أن يصل إلى محطته الأخيرة.. المهم أن نعمل جاهدين على استتباب الأمن وفرض هيبة الدولة فى كل أرجاء الوطن داخل إطار سيادة القانون، إذ لا يمكن لأحدهما أن يعمل بمعزل عن الآخر.. كما أنه لا قانون دون تحقيق عدالة عاجلة وناجزة


(1)       

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق