الخميس، 17 أكتوبر 2013

جماعة الإخوان ومصاعب الهبوط من فوق الشجرة!

لا أعرف، إن كانت جماعة الإخوان المسلمين بقرارها المفاجئ العدول عن محاولة اقتحام ميدان التحرير حقنا للدماء كما تقول، قد قررت الهبوط من فوق الشجرة العالية التى صعدت إليها، وهى تصر على مطالبها الخرقاء، وتضع للمصالحة المرفوضة من غالبية المصريين شروطا مستحيلة، تتمثل فى عودة الرئيس المعزول بدستوره التفصيل ومجلسه التشريعى المسخ!، أم أن الجماعة تحاول التقاط بعض أنفاسها المتقطعة بعد أن وضح للداخل والخارج أنها فقدت قدرتها على الحشد، وتأكد للجميع أن محاولاتها الأخيرة تصعيد عملياتها الإرهابية بضرب محطة القمر الصناعى فى منطقة المعادى بصواريخ الـ«آر بى جى»، واستخدامها المتكرر للسيارات المفخخة فى عمليتى مديرية أمن الطور جنوب سيناء، والهجوم على كمين الريسة الحصين فى رفح، وتكرار غاراتها على شبكة الطرق التى تربط عددا من المواقع العسكرية على حدود محافظتي الإسماعيلية والشرقية، لم تغير شيئا من واقع الأمر ولم تجعل الجماعة أكثر قربا من تحقيق أهدافها، على العكس زادت هذه الأفعال من كراهية المصريين وازدرائهم للجماعة، وزادت من ارتباط الشعب بقواته المسلحة، ورفعت مكانة الفريق السيسى فى قلوب المصريين، وألزمته تحت ضغوط شعبه أن يعيد التفكير فى موقفه من الترشح للرئاسة.

لكن الذى أعرفه ويعرفه كل مصرى على وجه اليقين، أن الجماعة تمشى معصوبة العينين نحو هاوية سحيقة، وأنها تنحر نفسها بنفسها وتتسبب كل يوم فى سقوط المزيد من الضحايا، وأن بنيتها التنظيمية تتعرض الآن لشروخ عميقة وتفكك وشيك، وأن مصيرها المحتوم بعد أن بلغ أذاها لوطنها هذا الحد، أن تصبح فى ضمير كل مصرى وعربى مجرد جماعة إرهابية يأكل بعضها بعضا ويرفض الجميع وجودها، ويغلقون الأبواب أمام فرص عودتها إلى الحياة السياسية، ما لم تسارع إلى الهبوط من فوق الشجرة إلى أرض الواقع، وتعرف أن عودة مرسى باتت فى حكم المستحيل، وأن دستوره التفصيل فات أوانه، وأن مجلسه التشريعى المسخ أبدا لن يعود!.
وزاد من سوء موقف الجماعة قرار الرئيس الأمريكى أوباما بتعليق الجزء الأهم من المساعدات العسكرية عقابا للمصريين، لأنهم خرجوا بالملايين يوم 30 يونيو يطالبون بإسقاط مرسى وسقوط حكم المرشد، لأن قرار أوباما جسد على نحو لا يحتمل أى شك عمالة الجماعة لقوى الخارج، وتواطؤها مع الأمريكيين على أمن مصر ومصالحها العليا، خاصة أن مرسى غير المأسوف على رحيله، لم يقدم للمصريين خلال حكمه شيئا ذا بال يبرر هذه الضجة المصطنعة التى يفتعلها أوباما دفاعا عن الرئيس المنتخب!، منكرا على المصريين حقهم فى مقاومة ضغيان الجماعة وديكتاتورية الرئيس المعزول، ومع الأسف تتصور جماعة الإخوان أن قرار أوباما يمكن أن يكون طوق الإنقاذ لمستقبلها، وأنه يمكن أن يؤدى إلى إضعاف الجيش والفريق السيسى، رغم أن القرار يواجه رفضا متزايدا من دوائر الكونجرس والرأى العام الأمريكى، إلى حد اعتباره حماقة تكشف ضعف النفوذ الأمريكى وانحساره فى مصر والشرق الأوسط، دون أى ضمان بقدرة القرار على أن يغير شيئا فى الموقف المصرى، خاصة أن القرار يضم بين ثناياه أكثر من اعتذار وتأكيد بأنه مجرد قرار مؤقت سوف يخضع للمراجعة المستمرة!، وأن واشنطن تأمل ألا يؤثر القرار على مجمل العلاقات المصرية الأمريكية، وعلى العلاقات بين الجيش المصرى والبنتاجون الأمريكى على وجه خاص.. وما حدث بالفعل أن رد فعل المؤسسة العسكرية المصرية على قرار أوباما زاد من قوة الفريق السيسى، ورفع مكانته ليصبح فى عيون شعبه البطل والمنقذ الذي تجمعت فيه كل إرادات الشعب المصرى.
والواضح حتى الآن، أن جماعة الإخوان المسلمين أو ما تبقى منها لا تزال تصر على الاستمرار فى طريق الإرهاب، وتورط نفسها فى خطط خيرت الشاطر الشريرة التى كشف عنها فى حواره مع الفريق السيسى، عندما هدد بضرب استقرار مصر وتبديد أمنها، بدعوى أن هناك جماعات عديدة لا تملك جماعة الإخوان السيطرة الكاملة عليها، سوف تنشر العنف بعرض سيناء وطول مصر!، إن لم يرضخ المصريون لسيطرة الجماعة التى يمكن أن تحكم مصر 500 عام!، ويتوقف الجيش عن مساندة الإرادة الشعبية فى مواجهة الشرعية الدستورية التى يمثلها مرسى!.. وهذا ما كرره خيرت الشاطر فى لقائه مع عمرو موسى فى بيت أيمن نور عندما قال له إن على جبهة الإنقاذ أن تعرف أن يوم 30 يونيو سوف يمر مهما تكن أحداثه، لكنه لن يغير شيئا فى وضع الجماعة التى تسيطر على الموقف، تساندها جماعات إسلامية عديدة من حلفائها يصعب السيطرة عليها!.
والواضح أن خطط خيرت الشاطر وتدابيره التى لم تتورع عن محاولة استخدامه لشباب الألتراس ليكون أداة عنف تنشر الفوضى، هى التى ساقت الجماعة نحو هذا المصير البائس، وأعادتها إلى جذورها الإرهابية الأولى فى الأربعينات ترتكب جرائم التفجير والاغتيالات، وجعلها تتوهم أنها أكبر من الوطن وأكبر من كل الشعب المصرى وأكبر من جميع مؤسسات الدولة متجمعة.. ولا أظن أن أحدا نسى تصريحات الشاطر الشهيرة عندما أعلن فى بداية الأزمة، أن جماعة الإخوان تستطيع أن تضحى بمليون شهيد دفاعا عما سماه الشرعية الدستورية!.. وفى ظل غرور القوة الكاذبة لا تزال الجماعة فوق الشجرة بعيدا عن أرض الواقع، تحصن مواقفها المتشددة رغم ضعفها المتزايد، وتصر على شروطها المستحيلة، وتعيش فى أوهام الماضي خوفا من أن يتفكك التنظيم تحت وطاة محنتها الكبرى إذا بدا الحديث الجاد عن مستقبل الجماعة، لكن الجماعة فوتت على نفسها بهذا المسلك فرصا عديدة كان يمكن أن تفتح لها أبواب العودة!، سواء فى حوارها مع الأستاذ هيكل الذى جعله يصف الجماعة بأنها لا تزال تعيش فى عالمها الافتراضى، أو فى المبادرة التى تطوع بها د. كمال أبوالمجد التى لم تتجاوز مرحلة جس النبض، لكن ردود أفعال الجماعة تشير بوضوح إلى أنها لا تزال عاجزة عن أن تهبط من فوق الشجرة، لا تدرك استحالة تنفيذ مطالبها رغم أن هذه المبادرات تخدم الجماعة بأكثر مما تخدم مصر، لأن المصريين لا يزالون يرفضون إعادة النظر فى مواقفهم الرافضة للجماعة، وتتصور غالبيتهم أنها نحرت نفسها بنفسها، وأنها يمكن أن تندثر أعواما تطول إلى عقود، قبل أن تتهيأ لها فرصة أن تولد من جديد على صورة أخرى وفى زمن آخر!.

والواضح من كل هذه الظروف أن عدول الجماعة عن احتلال ميدان التحرير حقنا للدماء كما تقول، لم يكن اختيارا حرا ولكنه قرار إجباري اضطرت إليه الجماعة بعد محاولاتها الفاشلة اقتحام الميدان، التى أكدت لها أن إنجاز هذا الهدف أكبر من قدراتها الراهنة.. وسواء حاولت الجماعة مرة أخرى احتلال الميدان أو اكتفت بمظاهراتها التى تجوب بعض شوارع القاهرة وعواصم المحافظات، فالأمر المؤكد أن الهوة ما زالت سحيقة بين أوهامها وبين متطلبات الأمر الواقع، وأنها سوف تظل حبيسة أوهامها فوق الشجرة، تجتر خطط الشاطر عن أوهام القوة، وتطلق أعمال الإرهاب رغم الانحسار الواضح فى قدراتها.. لذلك يحسن أن يتذرع المصريون ببعض الصبر، وقد قاربوا على تحقيق أهدافهم وفرض الاستقرار فى ربوع الوطن لأن الأمر لن يستمر طويلا، يعتصمون بالوطنية المصرية ويحافظون على وحدة جبهتهم الداخلية واثقين بأن إرادة الشعب سوف تنتصر، ويعززون ثقتهم فى قواتهم المسلحة ورجال الأمن والشرطة، ويلزمون حكومتهم بتطبيق حكم القانون على الجميع، وعدم الإفراط فى استخدام القوة، لا يمسون بالأذى أية مظاهرة سلمية، ويفتحون الأبواب على مصاريعها لكل من يريد العودة إلى أحضان الوطن وليس على يديه آثار دماء ولم يشارك فى أية جرائم ضد وطنه، ويوسعون مظلة العفو فى أحكامهم الانتقالية لتشمل كبار السن الذين يعلنون أسفهم لما حدث، ولا يستجيبون إلى أية مبادرات يطلقها شخص أو مجموعة شخوص، إلى أن تخرج جماعة الإخوان بنفسها وشخوصها على الملأ لتعلن من جانب واحد وقف التظاهرات وإنهاء جميع أعمال العنف، والقبول الكامل بكل التزامات خارطة الطريق، والامتثال لأحكام القضاء والقانون.. وربما يتأخر ذلك بضعة أسابيع أو بضعة شهور، لكنه سوف يحدث لا محالة لأنه لا يصح إلا الصحيح ولا غالب إلا الله.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق