السبت، 2 يوليو 2011

الشرطة والقضاء والجيش والثوار والشعب

بقلم: ناجى هيكل
مصر الأمن والأمان.. مصر الكرامة والإيمان.. كان ذلك حتى حقبة غير بعيدة من الزمن.. تعددت الثورات المصرية ولكنها جميعاً كانت تراعى الأصول والأعراف الشعبية بداية من الثورة العرابية وثورة سعد باشا زغلول ثم انقلاب الجيش على الملك فى 1952م والذي أطلقوا عليه ثورة 23يوليو ومجدوها.
الأحداث التي عاشتها البلاد لم تكن منذ هذه الفترة وحتى اليوم مطابقة للشعارات التي قامت عليها الثورة من القضاء على الفساد وإقامة حياة ديمقراطية سليمة وإقامة حياة اجتماعية عادلة وجيش وطني قوى والقضاء على الاستعمار وأعوانه والقضاء على سيطرة رأس المال فى الحكم.
ما تحقق من هذه الثورة ما قام به قائدها جمال عبد الناصر من طرد الملك وإعادة توزيع الممتلكات وتأميم الشركات الكبرى للشعب وطرد الاستعمار وبناء الجيش، ولكن ليس كل ما يتمناه المرء يدركه فكانت الضربات المتوالية من الغرب عندما أعلن الزعيم خالد الذكر تأميم شركة قناة السويس لنبدأ هدم ما بنيناه فخاضت مصر حرب ضد العدوان الثلاثي، ثم هزيمة 5يونيه 1967م لينقلب الحال من جديد بوفاة عبد الناصر.
بدأت مصر مرحلة جديدة مع الرئيس محمد أنور السادات فى مطلع سبعينيات القرن الماضي وبدأت عهده بانتصار مصر على العدو اللدود "إسرائيل" فى معركة 6أكتوبر 1973م لتحتل مصر موقع عالمي جديد بهذا الانتصار الذي وضعها فى مصاف الدول التي تحظى باحترام عالمي كبير وذات الشأن الدولي وساعدها فى ذلك موقعها الجغرافي المتميز فى ملتقى قارات العالم القديم الثلاث "آسيا وأفريقيا وأوروبا" ودورها المحوري ككبرى دول الشرق الأوسط فى تعداد السكان، حتى كان قرار الانفتاح الاقتصادي عام 1975م الذي ساهم بشكل كبير فى إغلاق المصانع المحلية وأعاد للوطن سيطرة رأس المال من جديد لأشخاص معدودة بين أركانه.
منذ هذا التاريخ وبدأ مصر حياة جديدة فى الموانئ والمطارات لتخليص السلع الواردة وكانت الرشوة سيد الموقف فى تخليص السلع جمركياً لسرعة إنهاء الإجراءات وبدأت مرحلة جديدة فى الغش التجاري والصناعي حتى السلع الضرورية ومنها اللحوم المستوردة وغيرها من الأطعمة الغير مطابقة للمواصفات وكان للشرطة دور فى هذا الأمر حتى عرفت هي الأخرى طريق الرشوة وتلفيق القضايا على نهج القلم السياسي ذات الصدى المرعب فى عهد الملك وبدايات عهد عبد الناصر.
انتهت هذه المرحلة بما فيها من خير وشر فى تاريخ مصر المعاصر برحيل أنور السادات على منصة الاحتفال بذكرى نصر أكتوبر1973م فى عام 1981م لتبدأ مصر مرحلة جديدة مع أحد أبطال حرب التحرير ونائب رئيس الجمهورية فى ذات الوقت محمد حسنى مبارك وعقد المصريون الآمال بعد أن خاصمنا العالم العربى لفترة كبيرة ووضعنا فى عزلة لسنوات عديدة فى عهد السادات بعد معاهدة السلام وإبرام اتفاقية كامب ديفيد مع العدو الصهيونى.
بدأ "مبارك" مرحلته الرئاسية مع مصر بشعارات براقة وتعهداته بعصر جديد يكون كل أبناء الشعب فيه سواسية فى الحقوق والواجبات وأمام سلطات العدل وتعهد برد أموال الشعب ممن نهبوا الشعب وسرقوا أمواله فى عهد السادات كما تعهد بالقضاء على مراكز القوى واستمر الحال وسارت المركب تلاطم أمواج الحياة العاتية حتى جاءت فكرة توريث الحكم فى البلاد على نهج ما حدث وتم بنجاح فى سوريا وتعدى الوضع والنظام الملكي فى الأردن بثوريث الملك عبد الله الحكم بدلاً من عمه هناك وما قام به أمير قطر الشيخ بن حمد فى حق والده والاستيلاء على حكم البلاد وكذلك ما حدث من نجل السلطان قابوس بن سعيد حتى أصبحت عمليات توريث الحكم تجتاح معظم البلدان العربية ومنها ليبيا وتونس ومصر، وهنا وقعت الدول بحكامها فى المحظور فتحولت الدفة إلى تسخير كل إمكانات الدولة لتحقيق عمليات التوريث لتشهد البلاد تزوير سافر للانتخابات بشقيها "شعب وشورى" حتى المحليات لتكون الكلمة لفئات من الشعب محدودة ترتضى الأمور ومبرمجة لهذا الأمر ووصل الحد لأخذ ضمانات عليهم كإيصالات الأمانة والشيكات لضمان إنجاز ما يقره رجال منصة الحكم.
تحولت مصر إلى دولة حرة ومعها بعض الدول العربية التى تسير على نهجها لكن حرية من نوع آخر فقد أخذت طريق الحرية المطلقة للدولة ورجالها بمعاونة جهاز الشرطة لإنجاز الأمر مهما كلف الناس من كرامة ومهما أهدر من حقوقهم حتى بدأت الدولة تأخذ الطريق إلى منعطف خطير وتدخل النفق المظلم لأن سيادة القانون أصبح يطبقها رجال الشرطة بحرية مطلقة دونما رادع حتى أن الضابط أصبح بمثابة الرجل الذي يأمر فيطاع ولا نقاش ولا جدال وله الحرية بأن يفعل بأبناء الشعب ما شاء وما يحلو له لأنه فوق القانون بتطبيقه لقانون الأسياد وكان لجهاز أمن الدولة دور كبير فى القبض على من يعارض التوريث أو نظام الحكم المتهرئ وأصابه العطب فتحولت الدولة إلى دولة بوليسية الأمر فيها والنهي للعسكر.
ساعدت الدولة بقراراتها تدشين هذا الأمر فقامت بإلغاء ورقة التعاملات المالية "الشيك" واستبداله بإيصالات الأمانة لتضع البلد أو معظمها فى حيص بيص فخيانة الأمانة السبيل الوحيد لحرمان معظم الشعب من ممارسة العمل السياسي كقضية مخلة بالشرف ومعظم أبناء الشعب فى تعاملاتهم يستخدمون هذه الورقة التى لابد منها لضمان الحقوق وظروف البلد الاقتصادية ومستجداتها وتضارب سنداتها وظروفها تحول دون السداد فى الموعد لمعظم أبناء الشعب.
حلم التوريث كان لابد من المال ليساند إنجازه فكان القرار غريباً بأن تكون الحاشية من الوزراء كلهم رجال أعمال فأتوا برجل أعمال منهم الغير المتعلم وليس له سابق علاقة بالعمل السياسي، وآخر أطلقوا عليه أسم مهندس ومكنوه من وزارة كبيرة وبعدها نكتشف أنه حاصل على ثانوية عامة، وثالث كان حلاق واحترف العزف الموسيقى.. وآخر مندوب مبيعات بعد امتهانه الرقص فى إحدى الفرق الفنية الشهيرة.. وهلم جرة.
هذه الفئة التى وضعت أقدامها على سلم الحكم فى الدولة وعلى رأس عملها التنفيذى كان أيضاً لها مآرب خفية وعلى رأسها زيادة الأرصدة فى البنوك الداخلية والخارجية وإعفاء شركاتهم الخاصة من الضرائب وكان النظام بينها وبين الحزب الحاكم نظام المصالح المتبادلة واشتد البأس على الشعب واشتد الظلم فكان ضابط الشرطة قد استحل لنفسه القبض على من يشاء، وتلفيق القضايا إلى من يريد وكانت أدراج مكتبه تعج بسندات الاعتقال الغير "مظهرة" ليكتب فيها الاسم الذي يشاء إذا ما خالف أوامره أو عارضه فى قراراته ليزج به بين أسوار اللامبالاة.. فضلاً عن القضايا الملفقة فإذا ما عارضت السيد الضابط على إحضارك من الشارع دون وجه حق عليك أن تختار التلفيقة التى تناسبك إما سلاح أو مخدرات حسب النوع الذي ترتضيه والنتيجة واحد فى النهاية وهى الزج بك خلف غياهب السجون، وللأسف كان القضاة يعتمدون على تحريات المباحث فى حكمهم وكأن رجال المباحث المتهمين بالرشوة والتسلط "أشراف"!!
كان غريب وعجيب أمر هذا الوطن فقد تحول إلى سجن كبير لكل أبنائه ورئيس وزرائه يخرج كل يوم على الشعب ببيانات الأكاذيب من تحسن فى الأحوال المعيشية والاقتصاد والأوضاع والأمر يزداد سوءاً يوماً بعد الآخر وانتشر الفساد والفقر والدعارة والرشوة وانقسمت الدولة إلى طبقة كادحة لا تجد قوت يومها وأخرى تعثوا فى الأرض فساداً بمالها وقربها من السلطة والسلطان حتى انفجرت الأوضاع وانفجر الشعب ليهب إلى الشارع ليطالب بإصلاح الأوضاع والنظام واستمر حتى تمكن من إسقاط النظام وإيداع رموزه خلف القضبان وآل أمر الدولة إلى الجيش.
ثورة الخامس والعشرون من يناير2011م لم تكن وليدة اللحظة ولكن جاءت نتيجة امتهان كرامة الشعب على يد فئة متسلطة وحكومة لا تتجمل ولكنها تكذب بلا حياء وشعب مطحون ولا يجد بصيص أمل لمخرج لحياة كريمة وشباب ضائع لا حياة له ولا أمل فى تكوين أسرة يوماً ما ولا يملك قوت يومه ليسد رمقه ولا يجد سوى المقهى أو التسكع فى الشارع الحل بعد أن تأكد له أن 25% من الدخل القومي مخصص للشعب و75% الآخرين لعصابة الحكم وحاشيتها!!
هذه الثورة كلفت البلد الكثير غير ما كان مرجو منها فالاقتصاد مهدد بالإفلاس لأن الشعب الذي ينشد الرخاء من ورائها توقف عن العمل ويقف كل يوم فى مسيرة فئوية ليطلب تحسين أوضاعه أو زيادة دخله أو تثبيته فى مصلحته الذى يعمل بها بنظام العمل المؤقت أو التعاقد ووقف البلد يشجب الزمن ويندب ما آلت إليه الأمور من تردى فى الأوضاع وكان على رأس الكارثة ما تعرض له شباب الثورة من تكيل وضرب فى الميادين على يد رجال الشرطة بالرصاص الحي وقنابل المسيلة للدموع وقنابل المولوتوف فى حالة من انعدام الضمير فكانت دماء الأبرياء والشرفاء تسيل فى معظم ميادين مصر لتكتب الحرية لكل الشعب ولم يقل دورهم عمن حرروا الوطن من دنس المحتل الغاشم فى 1973م ولا من ضحوا بأرواحهم لتحقيق عمليات فدائية لقتل المغتصب لأرضه وعرضه ولكنهم للأسف راحوا برصاصات الغدر على أيدى رجال من المفترض أنهم حماة الشعب وحماة تعبيره عن حقوقه المشروعة ورأيه.
أسقطت الثورة رموز الفساد وأغلقت العديد من منافذ الظلم وكان الانتقام جلياً من أقسام الشرطة ومقار الحزب الوطنى الحاكم بحرقهم والاستيلاء على ما فيهم من أوراق وأسلحة لإشفاء الغليل باعتبار أن هذين المقرين شعار للظلم ومكان للفساد والتزوير والتزييف والتنكيل والشرذمة.
تعهد وزير الداخلية الذى جاء بعد الثورة بتطهير الجهاز من الخبثاء والقضاء على من ناهضوا ثورة الشعب وللأسف بعد الانفلات الأمني وعدوا الشعب بأن تكون الشرطة فى خدمة الشعب وغيروا الشعار الذى وضعه حبيب العادلي "الشرطة والشعب فى خدمة الوطن"إلى الشعار السابق "الشرطة فى خدمة الشعب" ولكن لم يتغير الحال ما زالت أقسام الشرطة تمارس هوايتها المفضلة فى إذلال الشعب والتسلط عليه ولم يفي الوزير بمحاكمة رجال الشرطة الذين كبحوا جماح حرية الشعب واعتدوا على الشعب وظلموا الشعب واستولوا على خيرات الشعب مقلدين رجال الدولة الذين يعتبرون أنفسهم بأنهم حماتهم وتخرجوا لأجلهم وليس لأجل هذا الوطن وأمنه وأمانة؟!
وزير الداخلية للأسف اليوم تخلى عن وعوده فضباط الشرطة الذين اعتدوا على الشعب أثناء الثورة يدخلون قفص الاتهام أثناء الجلسات بعد أن يتلقون التحية من الحرس وبعد الجلسة يعود لعمله وكأن شيئاً لم يكن وبراءة الأطفال فى عينيه.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق