الخميس، 28 نوفمبر 2013

ياسر بركات يكتب : التليفونات.. حرب التجسس بيـن أجهزة المخابرات العالمية

لم تعد شركات الاتصالات مجرد وسيط بين العملاء لتقديم خدمات التواصل، لكن أدوارها تعاظمت بدرجة كبيرة وأصبحت ملعباً لصراع الكبار السري، ودخلت أجهزة الاستخبارات العالمية طرفاً في هذا الصراع بحثاً عن معلومات يمكن توفيرها من خلال قوائم العملاء في كل شركة، وتسعي أجهزة المخابرات العالمية للسيطرة علي أكبر قدر من الشركات الكبري في عالم الاتصالات، وكانت واقعة التجسس الأمريكية-الألمانية الأخيرة إنذاراً للجميع بأن الاتصالات تحت السيطرة وأن هناك من يتنصت ويراقب ويتجسس حتي علي مكالمات رؤساء الدول الكبري، ومنذ تلك الواقعة وهناك عشرات التقارير الدولية التي تشير إلي أن الاتصالات أصبحت جزءاً من الأمن القومي للدول وأن السيطرة عليها لن تسمح بتسريب المعلومات كما هو الحال مع تلك الشركات التي تخضع للمساومات والابتزاز والإغراءات فتلك الشركات تبيع أسرار العملاء وتبيع أيضاً أمن أوطانها.
وقد ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» في تقرير لها أن شركة «إيه تي أند تي» الأمريكية العملاقة للاتصالات تحصل سنويا علي أكثر من عشرة ملايين دولار من وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «سي أي ايه» مقابل السماح للوكالة بالاطلاع علي بيانات الاتصالات التي تتم عبر شبكات الشركة وخاصة الاتصالات الدولية مع أشخاص خارج أمريكا.
وقالت الصحيفة إن التعاون بين المخابرات الأمريكية والشركة يتم بشكل طوعي بالاتفاق بين الطرفين.
واستندت الصحيفة في تقريرها إلي مسئولين بالحكومة الأمريكية وقالت إن المخابرات المركزية الأمريكية كانت تقدم للشركة أرقام هواتف أشخاص تعتقد أن لهم صلة بالإرهاب ثم تبحث الشركة في قاعدة بياناتها عن مكالمات محتملة لهؤلاء الأشخاص، مشيرة إلي أن هذه المكالمات لا تخص الشبكات التابعة للشركة فقط بل تشمل أيضا المكالمات الواردة لشبكاتها من شبكات شركات أخري.
عملاق الاتصالات الأمريكي «إيه تي أند تي» كانت قد دعمت عمل المخابرات الأمريكية مراراً كما حدث علي سبيل المثال في عهد الرئيس الأمريكي السابق جورج دبليو بوش.
وقد ذكر تقرير لصحيفة «نيويورك تايمز» يعود لعام 2006 أن الشركة سمحت لوكالة الأمن القومي الأمريكية «إن إس إيه» بتركيب أجهزة في نظام التحويلات الخاص بالشركة بهدف مراقبة المشتبه بأنهم إرهابيون.
وذكرت الصحيفة أن موظفين بشركة «إيه تي أند تي» ساعدوا خلال السنوات الست الماضية في تحليل محادثات هاتفية بهدف دعم الحرب التي تشنها السلطات الأمنية في أمريكا علي كبار مهربي المخدرات.
يأتي الكشف عن هذه المعلومات في الوقت الذي تستعد فيه الشركة للاستحواذ علي عملاق اتصالات المحمول «فودافون».
سوق الاتصالات المصرية في الفترة الأخيرة، تشهد تحركات واسعة بين أطراف محلية وإقليمية وعالمية لإبرام عدد من صفقات الاستحواذ الكبري التي من شأنها تغيير خريطة السوق وإعادة ترتيب أوضاع اللاعبين الرئيسيين بها.
تشمل هذه الصفقات المنتظرة قطاعات الاتصالات الثلاثة من شبكات محمول وشبكة أرضية وشركات إنترنت والمتوقع دخول مستثمرين جدد في هذا المجال مقابل خروج مستثمرين رئيسيين.
أولي الصفقات بدأت بمفاوضات سرية - خرجت إلي العلن عبر رسائل رسمية إلي البورصة المصرية- بين الشركة «المصرية للاتصالات» وشركة «فودافون» العالمية التي تسعي للخروج من السوق المصرية وتبلغ حصتها في «فودافون» مصر 55% من الأسهم بينما تستحوذ الشركة «المصرية للاتصالات» علي 45%.
يلزم عقد الشراكة بين الجانبين أن يعرض الطرف الراغب في البيع والتخارج حصته علي الطرف الآخر فاذا أراد الشراء تكون له الأولوية واذا رفض فإن من حق الطرف الراغب في البيع الطرح علي أي طرف خارجي بعد الحصول علي موافقة الجهاز القومي المصري لتنظيم الاتصالات وهو جهة الرقابة علي السوق حتي لا يدخل طرف أجنبي غير مرغوب فيه.
وحسب معلومات حصلت عليها «الموجز» فإن هذه المفاوضات وصلت إلي مرحلة متقدمة وتقدر قيمة الصفقة بنحو ثلاثة مليارات جنيه استرليني -توازي 24 مليار جنيه مصري- تمثل 55% من أسهم شركة «فودافون» مصر التي تستحوذ علي 28 مليون خط.
تسعي الشركة «المصرية للاتصالات» للحصول علي هذه الصفقة التي تمكنها من الاستحواذ بالكامل علي «فودافون» مصر إلا أن العقبة الرئيسية هي عدم موافقة جهاز تنظيم الاتصالات الذي يدرس الجوانب القانونية للصفقة حيث تشير المخاوف إلي أن شبكتي المحمول الأخريين موبينيل واتصالات مصر يمكن أن يطالبا بالحصول علي تراخيص شبكات أرضية في هذه الحالة بهدف التساوي في المراكز التنافسية مع الشركة «المصرية للاتصالات».
الصفقة الثانية تجري في سوق نقل البيانات والإنترنت حيث تتفاوض الشركة المصرية للتليفون المحمول موبينيل علي بيع شركة «لينك دوت نت» لخدمات الإنترنت مع عدد من الأطراف في مقدمتها شركة اتصالات مصر وتحالف عربي تقوده شركة راية القابضة ومشغل شبكات ثالث ينتمي لإحدي دول الخليج.
المنتظر في حالة إتمام الصفقة أن تشهد سوق الإنترنت في مصر البالغ حجمها 14 مليون عميل مدفوعاتهم السنوية ثمانية مليارات جنيه تغيرات واسعة لأن مشتري «لينك دوت نت» سوف يبدأ فور شراء الشركة في تنفيذ خطة توسعية وتسويقية تستهدف إعادة التوازن مع المنافس التقليدي في سوق الإنترنت وهو شركة «تي ايه داتا» المملوكة للمصرية للاتصالات حيث تتقاسم الشركتان سوق نقل البيانات في مصر وإن كانت 70% لصالح «تي ايه داتا» و30% لصالح «لينك دوت نت».
تتزامن مع هذه الصفقات تحركات موازية في السوق المصرية جسدتها تصريحات مسئولي قطاع الاتصالات في الفترة الأخيرة حول وجود اتجاه لدي الحكومة المصرية لطرح رخصة محمول رابعة استناداً لنمو عدد السكان الذي كسر حاجز الثمانين مليون مواطن وفقا للتعداد الأخير ووجود مساحة في السوق غير مغطاة بخطوط محمول تتسع لنحو عشرة ملايين خط جديد تتوزع بين الاستخدام الشخصي واستخدام الشركات.
يؤكد الواقع الراهن لسوق الاتصالات المصرية أن حجمها هو الأكبر في المنطقة من حيث العوائد والتشغيل والاستثمارات. وحسب أرقام صادرة عن جهاز تنظيم الاتصالات - تعززها أرقام مماثلة لدراسات مستقلة قامت بها الجمعية المصرية لمهندسي الاتصالات- فإن حجم الإنفاق السنوي في سوق الاتصالات بمصر يدور حاليا حول 50 مليار جنيه سنوياً تتوزع بواقع 30 مليار جنيه لسوق المحمول تستحوذ عليها الشبكات الثلاث بحصص متفاوته وعشرين مليار جنيه تتوزع علي خدمات الإنترنت والاتصالات الأرضية.
كما يدرس المدراء التنفيذيون في شركة «أيه تي أند تي» الأمريكية للاتصالات الاستحواذ علي شركة «فودافون» بحلول العام القادم، حيث يقومون حاليا بوضع استراتيجية لإبرام صفقة معقدة مع شركة «فودافون» التي تعد أكبر شبكة اتصالات أوروبية.
وعلي الرغم من أن الشركتين لم تدخلا في مفاوضات رسمية فإن شركة الاتصالات الأمريكية تسعي لتحديد الأصول التي ستحتفظ بها «فودافون» بعد إبرام الصفقة وتحديد الجهة التي يمكنها شراء الأطراف الأخري.
تعد صفقة الاندماج المحتملة هي الأكبر في العالم لأنها ستؤدي إلي نشوء أكبر مشغل اتصالات من حيث المبيعات.. وكانت شركة الاتصالات الأمريكية قد سعت لطرح خطة اندماج بين كبري شركات الاتصالات، حيث سعت لإقناع شركة «فيرايزون» كومينكشن خلال العام الحالي لإبرام صفقة تتيح قيامها بشراء عمليات شركة «فودافون» في أوروبا علي أن تستحوذ شركة «فيرايزون» علي عمليات الاتصالات اللاسلكية وأن تستحوذ شركة أمريكا موفيل علي باقي العمليات.
وقوبل هذا العرض بالرفض من قبل شركة «فيرايزون» لأنها اعتبرته معقدا ولأنها تخوفت من تسببه في إبطاء صفقة شرائها حصة «فودافون» بنسبة 45% في شركة «فيرايزون» وايرلس.
وقال والت بيسايك المحلل لدي شركة «بي تي أي جي» في نيويورك إن شراء الشركة الأمريكية لـ«فودافون» يعد قراراً سهلا بالنظر إلي استمرار تراجع أسعار الفائدة، مشيرا إلي أن الشركة الأوروبية لا تستطيع الابتعاد عن السوق الأمريكية التي مازالت تحتفظ بفرص جيدة، وذلك رغما عن تطلعها للتوسع في السوق الأوروبية.
يحدث ذلك، في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات الأمريكية- الأوروبية حالة من التوتر بعد ما نشر من معلومات حول قيام وكالة الأمن القومي الأمريكية بالتجسس علي نحو 35 من القادة علي مستوي العالم، وأكثر من 60 مليون مكالمة هاتفية في دول مختلفة، من بينها دول أوروبية، إذ صرح القادة الأوروبيون بأن في ذلك ما يخل باعتبارات الثقة التي يجب أن توجد ما بين الحلفاء.
أثار ما تم نشره من تقارير عن عمليات التجسس التي قامت بها وكالة الأمن القومي الأمريكية ردود فعل غاضبة من عدد من الدول الأوروبية، وعلي رأسها ألمانيا، وذلك إثر المعلومات التي أكدت أن رئيسة الوزراء، أنجيلا ميركل، كانت هدفا لعمليات التجسس منذ عام 2002 وحتي عام 2010، وأن المكالمات الهاتفية التي أجرتها من هاتفها تم تسجيلها طوال هذه المدة.
دفع ذلك عددا من الدول الأوروبية، إلي جانب ألمانيا، من بينها فرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا، والتي ذكرت التقارير أنها تعرضت أيضا للتجسس الأمريكي، لاستدعاء سفراء الولايات المتحدة، وإظهار غضبها مما حدث، وتأكيدها أنه سيؤثر حتما في آفاق التعاون المستقبلي مع الإدارة الأمريكية. كما أعلنت ألمانيا وفرنسا عن اعتزامهما التفاوض مع الولايات المتحدة لإبرام اتفاقيات تحظر علي أطرافها إجراء أي عملية تجسس ضد بعضها بعضا.
وإلي جانب ردود الفعل الفردية من قبل بعض الدول الأوربية، ظهرت تداعيات الأزمة علي المستوي المؤسسي، سواء من خلال الاتحاد الأوروبي، أو الأمم المتحدة. فلقد دعت ألمانيا والبرازيل، بمساندة مجموعة من الدول الأوروبية في الجمعية العامة للأمم المتحدة، إلي ضرورة تبني المنظمة لقرار يحمي خصوصية الدول، ويقف حائلاً أمام عمليات التجسس المماثلة.. ويعد ذلك أول تحرك دولي لحماية الدول من عمليات التجسس التي تدعمها دول أخري، وتقيد البرامج الاستخباراتية لوكالة الأمن القومي الأمريكية.
وعلي مستوي الاتحاد الأوروبي، تعالت الأصوات الداعية لاتخاذ تدابير عقابية ضد الولايات المتحدة، إذ يناقش البرلمان الأوروبي حالياً اقتراحاً قدمته بعض الدول، وفي مقدمتها ألمانيا، بوقف المشاورات الخاصة باتفاقية التجارة الحرة ما بين أوروبا والولايات المتحدة، والتي بدأت المفاوضات عليها في فبراير الماضي، وكان من شأنها أن تحقق مكاسب اقتصادية هائلة لكلا الطرفين.. وعلي الرغم من أن قرار تعليق المفاوضات لم يصدر بعد، فإن عددا من القادة الأوروبيين قد أكدوا صعوبة استكمال المشاورات مع الإدارة الأمريكية بعد كشف عمليات التجسس هذه، والتي رأوا أنها قللت من مصداقية الولايات المتحدة كحليف للدول الأوروبية.
يضاف إلي ذلك دعوة البرلمان الأوروبي لضرورة تعليق العمل بالاتفاقية المشتركة ما بين الولايات المتحدة وأوروبا والمعروفة ببرنامج تتبع تمويل الإرهاب والذي يعد إحدي أبرز صور التعاون الاستخباراتي ما بين الطرفين. بدأ العمل بهذا البرنامج بعد أحداث 11 سبتمبر في ظل إدارة جورج بوش كجزء من التعاون الأوروبي مع الولايات المتحدة للحرب علي الإرهاب.. بمقتضي هذا البرنامج، سمح للولايات المتحدة بتتبع عدد كبير من التحويلات البنكية من خلال الدول الأوروبية. ولقد ظل هذا البرنامج في طي السرية حتي كشف عنه عدد من الجرائد، من بينها الـ«نيويورك تايمز»، و«الواشنطن بوست» في عام 2006، وهو ما دفع الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لتحويله إلي اتفاقية معلنة تقوم علي أسس قانونية.
وليست هذه المرة الأولي التي تثار فيها قضية التجسس ما بين الولايات المتحدة وحلفائها من الدول الأوروبية.. فدائما ما كانت هناك مخاوف لدي أوروبا من قيام الولايات المتحدة بالتجسس لأهداف سياسية واقتصادية، مستغلة في ذلك الجهود الاستخباراتية المشتركة فيما بينهما.
علي سبيل المثال، أصدر البرلمان الأوروبي سنة 2000 تقريراً يتهم فيه الولايات المتحدة بمراقبة المكالمات، والفاكسات، والبريد الإلكتروني لشركات أوروبية من خلال برنامج تجسس يسمي "إيشلون".. يعود هذا البرنامج إلي الحرب الباردة، وبمقتضاه تعاونت الأجهزة الاستخباراتية لكل من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة، وكندا، واستراليا، ونيوزيلندا في مراقبة شبكات الاتصال حول العالم بهدف التجسس علي المعسكر الشرقي.. وردا علي الاتهامات الأوروبية، أعلنت الولايات المتحدة إنهاء العمل بالبرنامج تماما في سبتمبر 2002.
وفي 2010 أيضا، نشرت بعض المعلومات التي أثارت بدورها مخاوف الدول الأوروبية من استخدام الولايات المتحدة لبرنامج متابعة تمويل الإرهاب كغطاء للتجسس علي الدول الأوروبية لأهداف اقتصادية، وأنها تقوم بنقل المعلومات الاقتصادية التي تحصل عليها من خلال التعاون في إطار هذا البرنامج لشركات أمريكية.
وكذلك في مايو 2012، في الانتخابات الرئاسية الفرنسية، اتهمت فرنسا الولايات المتحدة بشن هجوم إلكتروني علي الفريق الانتخابي الخاص برئيس الجمهورية ساركوزي، تم من خلاله الاطلاع علي الخطط الاستراتيجية الخاصة بالحملة، وهو ما نفته الولايات المتحدة.
في السياق نفسه، قالت صحيفتا «وول ستريت جورنال» و«نيويورك تايمز»، إن وكالة المخابرات المركزية الأمريكية «سي آي إيه» تجمع سجلات عن التحويلات النقدية الدولية، بموجب نفس القانون الذي تستخدمه وكالة الأمن القومي لجمع سجلات الهواتف واستخدامات الإنترنت للأمريكيين.
وذكرت الصحيفتان نقلاً عن مسئولين أن هذه البيانات التي تحتوي سجلات لشركات منها «ويسترن يونيون»، هي جزء من قاعدة بيانات لمعلومات مالية وشخصية يسمح بها قانون المواطنة.
وقالت الصحيفتان إن هذه التحويلات لا تشمل التحويلات التي تتم داخل الولايات المتحدة أو من بنك لآخر.
ورفضت ال«سي.آي.إيه» التعليق علي برامج محددة في ردها علي الصحيفتين، لكنها قالت إن عملياتها تلتزم بالقانون. ولم يتسن لـ«رويترز» الوصول إلي «سي آي إيه» أو شركة «ويسترن يونيون» للتعليق.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق