الاثنين، 17 أكتوبر 2011

الشعارات تشعل على نار الفتنة الطائفية:

استقرار مصر واجب وطنى لا يقل عن المشاركة فى حرب تحريره
تقرير: ناجى هيكل
بعد الأحداث الدامية التى دارت رحاها بين رجال الجيش والعديد من الأقباط فى ساحة مبنى التليفزيون والتى راح ضحيتها أكثر من 20قتيلاً من الجانبين وفتح من جديد الرؤى والتساؤلات حول ما يدور فى بلادنا خاصة بعد ثورة يناير البيضاء من فتنة طائفية أو كما يقول البعض: الثورة المضادة.
كل ثورة فى العالم لها توابعها خاصة إذا كانت قائمة على محاربة الفساد والظلم والتفاوت الطبقى بين أفراد الشعب فلابد من مناهضين لهذه الثورة ولابد من مرتدين عن هذه الثورة ولابد من خلق مضارين لنجاح هذه الثورة فيكفرون بها ويكون الارتداد عليها مرة أخرى بتوابع قد لا يحمد عقباها الوطن بأسره.
النظام القديم فى البلاد كان يقوم بتأمين الكنائس بشكل يومي ويقوم بتشديد التأمين بتكثيف عدد الجنود حولها فى المناسبات الدينية القبطية والأعياد وكأنهم قوم مضطهدون ويشعرهم بأن الأمر قد ينفجر فى أي وقت وأنهم ليسوا فى دار عبادة وأن هذى الدار مستهدفة واشتد الأمر أكثر بعد عمل حواجز حديدية حول الكنائس بعد حادث كنيسة القديسين بالإسكندرية، لقد شعر كل معتادى الكنيسة بأنهم مستهدفون وكأنهم لا حق لهم فى تأدية صلواتهم أو إقامة شعائرهم الدينية فجعل فى النفس غلظة لأرباب الكنيسة وشبابها.
الأمر الآخر أن المشاكل والخلافات التى تحدث بين أي مسلم وجاره المسيحي تجد وسائل الإعلام تستخدم "الكير" لنفخ النار فى كل جوانبها لتخرج من نطاق خلاف بسيط بين جارين على أتفه سبب لفتنة يتدخل فيها أبناء الطرفين وعائلاتهم وربما القرية التى يقطنوها وقد تصل النار لتضرم فى المركز الذى يتبعونه أو المحافظة كالهشيم لا تبقى من محبة وإخاء ولا تذر، وهناك الإعلام الموجه والسلطوي والمأجور وآخرين لهم أهدافهم من عدم استقرار مصرنا.
إنشاء الكنائس لابد وأن يقنن وتكون له قواعد كأي دار عبادة حتى لا يشعر المسيحي بأنه غير مرغوب فيه ولا حتى فى دينه، فلماذا تبنى المساجد ولا يشعر أحد، وعند بناء كل كنيسة تقوم مصر ولا تقعد وتتأجج الأمور ونجد المظاهرات تندلع هنا وهناك وتراق دماء الأبرياء من الطرفين سواء من قوات النظام أو من المتظاهرين وهناك تقع الكارثة بإثارة الفتن بأنهم مضطهدون من كل أطياف الشعب بما فيهم حماة الوطن من شرطة وجيش "على غير الحقيقة".
إننا كمصريين ومسلمين لا فرق لدينا بين مسلم ومسيحى فهم زملاء مدرسة وعمل ونتقاسم سوياً لقمة الخبز وننهل من نيل مصر الخالد لنروى الظمأ ونأكل من خيرات هذه الأرض المباركة وبيننا صهر وأوصانا رسولنا بهم "واستوصوا بقبط مصر خيراً" وأمرنا أن نأخذ منهم أجناداً ولم يخصص أن يكون الجنود من المسلمين أو الأقباط ووصف هؤلاء الجند بأنهم خير أجناد الأرض.. فنحن فى بوتقة واحدة نزرع ونحصد.. نبنى ونعمر.. ندير سوياً عجلة الإنتاج لنتقدم ونواكب عصر التكنولوجيا ونصنع حضارة جديدة على ضفاف مصرنا.
كلنا "مسيحي ومسلم" نفخر بمصريتنا وبأن بلادنا أم الدنيا وتحمل أرضها فى باطنها أثقال أقدم حضارات العالم القديم التى أبهرت الكون بأسره..
نأمل أن تزال الحواجز المحاطة بها الكنائس ورجال الشرطة ينصرفون من حولها لتأدية واجبهم الوطنى فى تكريس الأمن فى أماكن أخرى تتطلب ذلك من مصالح حكومية أو أي قطاعات أخرى على أرض الوطن حتى لا يشعر المسيحي بأن الكنيسة فى حماية الداخلية أو الجيش فحماية الكنيسة مسئولية كل مصري كما هو حال المساجد تماماً فكفوا أيديكم عنها يا حماة الوطن.
إن مصر لكم لا لدعي دعا ولا لذوي سطوة أو غشم فهى أرض لكل المصريين لا فرق بين من يعيش عليها كلهم لهم حقوق وعليهم واجبات، ومن واجب مصر على المسلم والمسيحي المحافظة على تراب هذا الوطن وربوع هذا الوطن ومصالح هذا الوطن، ومساجد وكنائس هذا الوطن، حتى الملاعب والملاهي -إن جاز القول- كل ما على أرض مصر هو ملك لنا جميعاً.
لابد وأن نحافظ على مصر تلك الزهرة التى من حقنا جميعاً أن نشتم سوياً عبيرها ونستمتع سوياً بجمال منظرها ونبتر اليد التى تمتد إليها لتقطفها من فوق شجرة الزمن، فهى باقية أبد الدهر رغم انف الكائدين فكم تحطمت على صخرتها قوى الاستعمار والأطماع والبغي والظلم، وكم زالت قوى شرعت فى التحدى لها..
وأقول هذه الكلمات لكل أبناء الشعب مسلم ومسيحى:
يا باغي الشر إن الشر منقصة
أعدل فخير طريق المرء أعدله
فلو بغى جبل يوماً ما على جبل
لانـدك الباغي أعـلاه وأسفلــه
فحافظوا على مصر كنانة الله فى أرضه.. لا تشينوا منظرها البهي وثورتها التى تحاكى بها العالم بياضاً وفكراً وتكنولوجياً وتحضراً.. لا تقتلوا مصر فى مهد حريتها المنشودة وتقدمها المأمول ومستقبلها المنتظر.
قفوا يداً واحدة أبناء مصر ضعوا يدكم فى يد بعض.. شابكوا الأصبع فليس فينا ممقوت ولا مكروه وليس بيننا طبقات ولا خلافات.. ليس بيننا مسلم أو مسيحى: إننا مصريون.. إنا مصريون.. إنا مصريون.
لا تحرضوا على مصر.. حرضوا لمصر.. أعينوا مصر.. ولا تعينوا عليها.. احموها لتحميكم.. قبلوها وألقوا عليها الورود كما حنت عليكم واحتضنتكم وأطعمتكم من زادها وخيرها ونبتها.. إنها مصر فلا تدموا أيديها بانقسامكم فكل قطرة دم تسقط من ساعدها يسقط معها الرقى والتحضر وستضعف مناعتها ضد العدو.. ابقوا إلى جوارها.. عالجوها لتنهض وتخرج من فترة النقاهة بمناعة قوية تدحر بها كل ميكروب يريد أن ينال من هذا الكيان العظيم وتقتل كل جرثومة تود التسلل إلى عظامه وتدحر كل سوسة تريد أن تنخر أجزاءه.. إنها مصر الشجرة القوية التى لاطمت كثيراً رياح الزمن من أجلنا فى تتركوا السوس ينخر ساقها حتى لا يكسرها النسيم.
من أجل أن نذهب بالفتنة الطائفية إلى غير رجعة لابد وأن ننسى كلمة "مسيحى ومسلم" من الأصل وكلمة "نسيج واحد" وكلمة "مسلم ومسيحى إيد واحدة" ونخصص حرس للكنائس ونفتعل المشاكل لنصل إلى الأمن ليميز هذا عن ذاك كما كان يفعل جهاز أمن الدولة ورجاله فى السابق.. لابد وأن نضع نصب أعيننا مصر وفقط، وأننا مواطنو هذا البلد لا فرق بين هذا وذاك إلاَّ بالعمل وأداء الواجب نحو الوطن الذى يتطلب منا اليوم تكاتف الأيدي لندفع به إلى النهوض وإلى عجلة التنمية والتقدم والازدهار لنجنى جميعاً ثمار الوحدة، فمسلمى مصر ومسيحييها ليسوا نسيج واحد كما يقول البعض لأن النسيج ربما يأتى اليوم ليتمزق أو تحرقه شرارة تسقط من بين أصابع حامل سيجارة فى الطريق العام أو أن تنسل خيوطه.. إن المسيحيين والمسلمين أكبر من هذا التعبير بكثير وفى رأيى أنهم درر فى عقد الوطن يزين بها عنقه ليبهر العالم بسحره وجماله ورقيه فيتوجب علينا جميعاً أن نكون قلادة فى جيد مصرنا أو نجوماً لا تغيب عن سمائها فلا تستطيع يد ولا أي من كان أن تلمسها أو يحجب نورها عن عالمنا.
مصر هى الوطن الذى لابد وأن نتكاتف لتطوره وتقدمه ورقيه وازدهاره.. لابد وأن نضع لبنة فى مستقبل بنائه وبذرة فى أرضه لتنبت شجرة التواؤم والمحبة والإخاء.. لابد وأن نستثمر قدراتنا لخدمة وطننا وأموالنا لتطوره ونموه وسواعدنا لتبنى وعقولنا لتفكر وتدبر من أجل هذا البلد.. إنها مصر تستحق التى كل الفداء والتضحية وبذل الجهد والدم وكل غال رخيص من أجل استقرارها الذى لا يقل بأي شكل من الأشكال عن تحريرها فى أكتوبر المجيد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق